فصل: 513 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ خَرَجَ عَنْ بُيُوتِ مَدِينَتِهِ‏,‏ أَوْ قَرْيَتِهِ‏,‏ أَوْ مَوْضِعِ سُكْنَاهُ فَمَشَى مِيلاً فَصَاعِدًا‏:‏ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


صلاة المسافر

511 - مَسْأَلَةٌ

صَلاَةُ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ أَبَدًا‏,‏ وَفِي الْخَوْفِ كَذَلِكَ؛ وَصَلاَةُ الْمَغْرِبِ ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ‏,‏ وَالسَّفَرِ‏,‏ وَالْخَوْفِ أَبَدًا

وَلاَ يَخْتَلِفُ عَدَدُ الرَّكَعَاتِ إلاَّ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعَتَمَةِ‏,‏ فَإِنَّهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ لِلصَّحِيحِ‏,‏ وَالْمَرِيضِ‏,‏ وَرَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ‏,‏ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةٌ‏.‏

كُلُّ هَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ‏,‏ إلاَّ كَوْنُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ رَكْعَةً فِي الْخَوْفِ فَفِيهِ خِلاَفٌ‏.‏

512 - مَسْأَلَةٌ

وَكَوْنُ الصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ فَرْضٌ سَوَاءٌ كَانَ سَفَرَ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ‏,‏ أَوْ لاَ طَاعَةَ، وَلاَ مَعْصِيَةَ‏,‏ أَمْنًا كَانَ أَوْ خَوْفًا فَمَنْ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا عَامِدًا‏,‏ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ‏,‏ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلاَمِ فَقَطْ وأما قَصْرُ كُلِّ صَلاَةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ إلَى رَكْعَةٍ فِي الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ فَمُبَاحٌ‏,‏ مَنْ صَلاَّهَا رَكْعَتَيْنِ‏:‏ فَحَسَنٌ‏,‏ وَمَنْ صَلاَّهَا رَكْعَةً فَحَسَنٌ

وقال أبو حنيفة‏:‏ قَصْرُ الصَّلاَةِ فِي كُلِّ سَفَرِ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ فَرْضٌ‏,‏ فَمَنْ أَتَمَّهَا فَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ الاِثْنَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ‏,‏ وَأَعَادَ أَبَدًا وقال مالك‏:‏ مَنْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ‏,‏ فَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وقال الشافعي‏:‏ الْقَصْرُ مُبَاحٌ‏,‏ وَمَنْ شَاءَ أَتَمَّ، وَلاَ قَصْرَ عِنْدَ مَالِكٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ إلاَّ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ فَقَطْ وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَلاَ مَالِكٌ‏,‏ وَلاَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الْقَصْرَ فِي الْخَوْفِ إلَى رَكْعَةٍ أَصْلاً‏,‏ لَكِنْ رَكْعَتَانِ فَقَطْ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا‏:‏ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ‏,‏ قَالَتْ‏:‏ فُرِضَتْ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ‏,‏ ثُمَّ هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا‏,‏ وَتُرِكَتْ صَلاَةُ السَّفَرِ عَلَى الآُولَى‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا‏:‏ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ‏,‏ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏"‏ صَلاَةُ الأَضْحَى رَكْعَتَانِ‏,‏ وَصَلاَةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ‏,‏ وَصَلاَةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ‏,‏ وَصَلاَةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ‏,‏ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ‏,‏ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى‏.‏

حدثنا حمام، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى النَّاقِدُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْجَرْجَرَائِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حدثنا هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ صَلاَةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ فَقَدْ كَفَرَ‏.‏

وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا أَيْضًا مِنْ كَلاَمِ ابْنِ عُمَرَ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عن ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ‏,‏ قَالَ‏:‏ عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَصَحَّ أَنَّ الصَّلاَةَ فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَلَغَهَا فِي الْحَضَرِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَرْبَعًا‏,‏ وَأَقَرَّ صَلاَةَ السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ‏.‏

وَصَحَّ أَنَّ صَلاَةَ السَّفَرِ‏:‏ رَكْعَتَانِ بِقَوْلِهِ عليه السلام‏,‏ فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا فَهِيَ رَكْعَتَانِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى ذَلِكَ‏,‏ وَمَنْ تَعَدَّاهُ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أَمَرَ‏,‏ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ‏,‏ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ‏.‏

وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ‏,‏ بَلْ عَمَّ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ لأَِحَدٍ تَخْصِيصُ ذَلِكَ‏,‏ وَلَمْ يَجُزْ رَدُّ صَدَقَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَمَرَ عليه السلام بِقَبُولِهَا‏,‏ فَيَكُونُ مَنْ لاَ يَقْبَلُهَا عَاصِيًا وَاحْتَجَّ مَنْ خَصَّ بَعْضَ الأَسْفَارِ بِذَلِكَ بِأَنَّ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ مُحَرَّمٌ‏,‏ فَلاَ حُكْمَ لَهُ فَقُلْنَا‏:‏ أَمَّا مُحَرَّمٌ فَنَعَمْ‏,‏ هُوَ مُحَرَّمٌ‏,‏ وَلَكِنَّهُ سَفَرٌ‏,‏ فَلَهُ حُكْمُ السَّفَرِ‏,‏ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ‏:‏ إنَّهُ مُحَرَّمٌ‏,‏ ثُمَّ تَجْعَلُونَ فِيهِ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ‏,‏ وَتُجِيزُونَ الصَّلاَةَ فِيهِ‏,‏ وَتَرَوْنَهَا فَرْضًا‏,‏ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا أَجَزْتُمْ مِنْ الصَّلاَةِ وَالتَّيَمُّمِ لَهَا وَبَيْنَ مَا مَنَعْتُمْ مِنْ تَأْدِيَتِهَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّفَرِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ وَكَذَلِكَ الزِّنَى مُحَرَّمٌ‏,‏ وَفِيهِ مِنْ الْغُسْلِ كَاَلَّذِي فِي الْحَلاَلِ‏,‏ لأَِنَّهُ إجْنَابٌ‏.‏

وَمُجَاوَزَةُ خِتَانٍ لِخِتَانٍ‏,‏ فَوَجَبَ فِيهِ حُكْمُ عُمُومِ الإِجْنَابِ وَمُجَاوَزَةِ الْخِتَانِ لِلْخِتَانِ وَكَمَا قَالُوا فِيمَنْ قَاتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَجُرِحَ جِرَاحَاتٍ مَنَعَتْهُ مِنْ الْقِيَامِ‏,‏ فَإِنَّ لَهُ مِنْ جَوَازِ الصَّلاَةِ جَالِسًا مَا لِمَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلاَ فَرْقَ‏,‏ لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ صَلُّوا قِيَامًا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا‏.‏

فإن قيل لَنَا‏:‏ فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ‏:‏ مَنْ صَلَّى فِي غَيْرِ سَبِيلِ الْحَقِّ رَاكِبًا أَوْ مُقَاتِلاً أَوْ مَاشِيًا فَلاَ صَلاَةَ لَهُ فَمَا الْفَرْقُ قلنا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ إنَّ هَؤُلاَءِ فَعَلُوا فِي صَلاَتِهِمْ حَرَكَاتٍ لاَ يَحِلُّ لَهُمْ فِعْلُهَا‏,‏ فَبِذَلِكَ بَطَلَتْ صَلاَتُهُمْ وَلَمْ يَفْعَلْ الْمُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أَوْ رَكْعَةً فِي صَلاَتِهِ شَيْئًا غَيْرَهَا‏,‏ وأما الَّذِينَ ذَكَرْتُمْ فَمَشَوْا مَشْيًا مُحَرَّمًا فِي الصَّلاَةِ‏,‏ وَقَاتَلُوا فِيهَا قِتَالاً مُحَرَّمًا وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ أَتَوْا إلَى عُمُومِ اللَّهِ تَعَالَى لِلسَّفَرِ‏,‏ وَعُمُومِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلسَّفَرِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فَخَصُّوهُ بِآرَائِهِمْ وَلَمْ يَرَوْا قَصْرَ الصَّلاَةِ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ أَتَوْا إلَى مَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبْطَلَ فِيهِ الْعُمُومَ‏,‏ مِنْ تَحْرِيمِهِ الْمَيْتَةَ جُمْلَةً‏,‏ ثُمَّ قَالَ ‏{‏فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ، وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏‏:‏ فَقَالُوا بِآرَائِهِمْ‏:‏ إنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ‏,‏ وَالْخِنْزِيرِ‏:‏ حَلاَلٌ لِلْمُضْطَرِّ‏,‏ وَإِنْ كَانَ مُتَجَانِفًا لاِِثْمٍ‏,‏ وَبَاغِيًا عَادِيًا قَاطِعًا لِلسَّبِيلِ‏,‏ مُنْتَظِرًا لِرِفَاقِ الْمُسْلِمِينَ يُغِيرُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَيَسْفِكُ دِمَاءَهُمْ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا‏.‏

وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِأَنْ قَالُوا‏:‏ حَرَامٌ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ‏.‏

فَقُلْنَا لَهُمْ‏:‏ وَلِمَ يَقْتُلْ نَفْسَهُ بَلْ يَتُوبُ الآنَ مِنْ نِيَّتِهِ الْفَاسِدَةِ‏,‏ وَيَحِلُّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ مِنْ حِينِهِ‏,‏ وَالتَّوْبَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَلاَ بُدَّ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ‏,‏ وَأَصْحَابُنَا‏:‏ لاَ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ إلاَّ فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ‏,‏ أَوْ عُمْرَةٍ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ‏:‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ الأَسْوَد ِعن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ لاَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ إلاَّ حَاجٌّ‏,‏ أَوْ مُجَاهِدٌ وَعَنْ طَاوُسٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ عَنْ قَصْرِ الصَّلاَةِ فَيَقُولُ‏:‏ إذَا خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الْقَصْرَ إلاَّ فِي‏:‏ حَجٍّ‏,‏ أَوْ عُمْرَةٍ‏,‏ أَوْ جِهَادٍ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ لَمْ يُصَلِّ عليه السلام رَكْعَتَيْنِ إلاَّ فِي‏:‏ حَجٍّ‏,‏ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ جِهَادٍ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ لَوْ لَمْ يَرِدْ إلاَّ هَذِهِ الآيَةُ وَفَعَلَهُ عليه السلام لَكَانَ مَا قَالُوا‏,‏ لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ عَلَى لِسَانِهِ عليه السلام‏:‏ رَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ‏,‏ وَأَمَرَ بِقَبُولِ صَدَقَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ‏:‏ كَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى مَا فِي الآيَةِ وَعَلَى عَمَلِهِ عليه السلام‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ الأَخْذِ بِالشَّرْعِ الزَّائِدِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّونَ فِي قَوْلِهِمْ‏:‏ إنَّ الْمُسَافِرَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ‏:‏ بِهَذِهِ الآيَةِ‏,‏ وَأَنَّهَا جَاءَتْ بِلَفْظِ لاَ جُنَاحَ وَهَذَا يُوجِبُ الإِبَاحَةَ لاَ الْفَرْضَ وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ‏,‏ فَلَمَّا قَدِمَتْ مَكَّةَ قَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏,‏ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَصَرْتُ وَأَتْمَمْتُ‏,‏ وَأَفْطَرْتُ وَصُمْتُ قَالَ‏:‏ أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَافِرُ فَيُتِمُّ الصَّلاَةَ وَيَقْصُرُ‏.‏

وَبِأَنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ الصَّلاَةَ بِمِنًى بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَأَتَمُّوهَا مَعَهُ وَبِأَنَّ عَائِشَةَ وَهِيَ رَوَتْ فُرِضَتْ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ‏.‏

قال علي‏:‏ هذا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ‏,‏ وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏:‏ أَمَّا الآيَةُ فَإِنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ فِي الْقَصْرِ الْمَذْكُورِ‏,‏ بَلْ فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا‏,‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وأما الْحَدِيثَانِ فَلاَ خَيْرَ فِيهِمَا‏:‏ أَمَّا الَّذِي مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ فَانْفَرَدَ بِهِ الْعَلاَءُ بْنُ زُهَيْرٍ الأَزْدِيُّ‏,‏ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ‏,‏ وَهُوَ مَجْهُولٌ‏.‏

وأما حَدِيثُ عَطَاءٍ فَانْفَرَدَ بِهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ‏,‏ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ‏,‏ وَقَالَ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ‏:‏ هُوَ ضَعِيفٌ‏,‏ كُلُّ حَدِيثٍ أَسْنَدَهُ فَهُوَ مُنْكَرٌ وأما فِعْلُ عُثْمَانَ‏,‏ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما فَإِنَّهُمَا تَأَوَّلاَ تَأْوِيلاً خَالَفَهُمَا فِيهِ غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْغَدْرِيُّ، حدثنا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ، حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَ الْخَبَرَ‏,‏ وَفِيهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ فَقُلْت لِعُرْوَةِ‏:‏ فَمَا كَانَ عَمَلُ عَائِشَةَ فَذَكَرَ الْخَبَرَ‏,‏ وَفِيهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ فَقُلْت لِعُرْوَةِ‏:‏ فَمَا كَانَ عَمَلُ عَائِشَةَ أَنْ تُتِمَّ فِي السَّفَرِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ‏.‏

قَالَ‏:‏ تَأَوَّلَتْ مِنْ ذَلِكَ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ مِنْ إتْمَامِ الصَّلاَةِ بِمِنًى وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّ عُثْمَانَ إنَّمَا صَلاَّهَا أَرْبَعًا يَعْنِي بِمِنًى لأَِنَّهُ أَزْمَعَ أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ الْحَجِّ‏.‏

فَعَلَى هَذَا أَتَمَّ مَعَهُ مَنْ كَانَ يُتِمُّ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏,‏ لأَِنَّهُمْ أَقَامُوا بِإِقَامَتِهِ وَقَدْ خَالَفَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ طَوَائِفُ‏:‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِع ٍعن ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ انْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ أَعَادَهَا وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ يَسَارٍ حَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ صَلاَةِ السَّفَرِ بِمِنًى فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ سَمِعْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَصَلِّ إنْ شِئْت أَوْ دَعْ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ التَّنُّورِيِّ

حدثنا أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ مُوَرِّقِ الْعِجْلِيّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قُلْت لاِبْنِ عُمَرَ‏:‏ حَدِّثْنِي عَنْ صَلاَةِ السَّفَرِ‏,‏ قَالَ‏:‏ أَتَخْشَى أَنْ تَكْذِبَ عَلَيَّ‏,‏ قُلْت‏:‏ لاَ‏,‏ قَالَ‏:‏ رَكْعَتَانِ‏,‏ مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ كَفَرَ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ

حدثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ هُوَ الْفَزَارِيّ، حدثنا حُمَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ مَنْ صَلَّى فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا كَمَنْ صَلَّى فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ اعْتَلَّ عُثْمَانُ وَهُوَ بِمِنًى فَأَتَى عَلِيٌّ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ صَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَ‏:‏ إنْ شِئْتُمْ صَلَّيْت لَكُمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ قَالُوا‏:‏ لاَ‏,‏ إلاَّ صَلاَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنُونَ عُثْمَانَ‏:‏ أَرْبَعًا فَأَبَى عُثْمَانُ‏.‏

وَهَكَذَا عَمَّنْ بَعْدَهُمْ‏:‏ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏,‏ وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ الإِتْمَامُ فِي السَّفَرِ لِمَنْ شَاءَ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ لاَ‏,‏ الصَّلاَةُ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَانِ حَتْمَانِ لاَ يَصِحُّ غَيْرُهُمَا‏.‏

فَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فَالْوَاجِبُ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وأما الْمَالِكِيُّونَ‏,‏ وَالْحَنَفِيُّونَ فَقَدْ تَنَاقَضُوا هَهُنَا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ‏,‏ لأَِنَّهُمْ إذَا تَعَلَّقُوا بِقَوْلِ صَاحِبٍ وَخَالَفُوا رِوَايَتَهُ قَالُوا‏:‏ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا رَوَى‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلاَّ لِعِلْمٍ كَانَ عِنْدَهُ رَآهُ أَوْلَى مِمَّا رَوَى‏.‏

وَهَا هُنَا أَخَذُوا رِوَايَةَ عَائِشَةَ وَتَرَكُوا فِعْلَهَا‏,‏ وَقَالُوا بِأَقْبَحَ مَا يُشَنِّعُونَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ‏,‏ فَرَأَوْا أَنَّ عُثْمَانَ‏,‏ وَعَائِشَةَ وَمَنْ مَعَهُمَا صَلَّوْا صَلاَةً فَاسِدَةً يَلْزَمُهُمْ إعَادَتُهَا‏,‏ إمَّا أَبَدًا وأما فِي الْوَقْتِ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وأما قَوْلُنَا فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ فَلِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى‏,‏ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ‏,‏ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ‏,‏ وَقُتَيْبَةُ‏,‏ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ عَنْ مُجَاهِدٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا‏,‏ وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ‏,‏ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حُذَيْفَةَ‏,‏ وَجَابِرٍ‏,‏ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ‏,‏ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ‏,‏ كُلِّهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏‏.‏

كَتَبَ إلَى هِشَامِ بْنِ سَعِيدِ الْخَيْرِ قَالَ حدثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ الطَّوِيلُ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدَوَيْهِ النَّجِيرَمِيُّ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الأَصْفَهَانِيُّ، حدثنا أَبُو بِشْرٍ يُونُسُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ، حدثنا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، حدثنا الْمَسْعُودِيُّ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ هُوَ يَزِيدُ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ‏,‏ أَقْصُرُهُمَا قَالَ جَابِرٌ لاَ‏:‏ إنَّ الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ لَيْسَتَا بِقَصْرٍ‏,‏ إنَّمَا الْقَصْرُ رَكْعَةٌ عِنْدَ الْقِتَالِ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَبِهَذِهِ الآيَةِ قلنا‏:‏ إنَّ صَلاَةَ الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ إنْ شَاءَ رَكْعَةً وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَانِ‏;‏ لأَِنَّهُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ بِلَفْظَةِ لاَ جُنَاحَ لاَ بِلَفْظِ الأَمْرِ وَالإِيجَابِ‏,‏ وَصَلاَّهُمَا النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً رَكْعَةً وَمَرَّةً رَكْعَتَيْنِ‏,‏ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الاِخْتِيَارِ كَمَا قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه ‏.‏

513 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ خَرَجَ عَنْ بُيُوتِ مَدِينَتِهِ‏,‏ أَوْ قَرْيَتِهِ‏,‏ أَوْ مَوْضِعِ سُكْنَاهُ فَمَشَى مِيلاً فَصَاعِدًا‏:‏ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَلاَ بُدَّ إذَا بَلَغَ الْمِيلَ‏,‏ فَإِنْ مَشَى أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ‏:‏ صَلَّى أَرْبَعًا

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا‏:‏ كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ‏:‏ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه كَتَبَ‏:‏ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً يَخْرُجُونَ‏:‏ إمَّا لِجِبَايَةٍ‏,‏ وأما لِتِجَارَةٍ‏,‏ وأما لِجَشَرٍ ثُمَّ لاَ يُتِمُّونَ الصَّلاَةَ‏,‏ فَلاَ تَفْعَلُوا‏,‏ فَإِنَّمَا يَقْصُرُ الصَّلاَةَ مَنْ كَانَ شَاخِصًا‏,‏ أَوْ بِحَضْرَةِ عَدُوٍّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ‏:‏ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ‏:‏ لاَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ‏:‏ جَابٍ‏,‏ وَلاَ تَاجِرٌ‏,‏ وَلاَ تَانٍ‏,‏ إنَّمَا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ مَنْ كَانَ مَعَهُ الزَّادُ وَالْمَزَادُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ الثَّانِي هُوَ صَاحِبُ الضَّيْعَةِ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ هَكَذَا فِي كِتَابِي وَصَوَابُهُ عِنْدِي‏:‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ لاَ يَغُرَّنَّكُمْ سَوَادُكُمْ هَذَا مِنْ صَلاَتِكُمْ‏,‏ فَإِنَّهُ مِنْ مِصْرِكُمْ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ كُنْت مَعَ حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ فَاسْتَأْذَنْته أَنْ آتِيَ أَهْلِي بِالْكُوفَةِ‏,‏ فَأَذِنَ لِي وَشَرَطَ عَلَيَّ أَنْ لاَ أُفْطِرَ، وَلاَ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى أَرْجِعَ إلَيْهِ‏,‏ وَبَيْنَهُمَا نَيِّفٌ وَسِتُّونَ مِيلاً وَهَذِهِ أَسَانِيدُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَعَنْ حُذَيْفَةَ‏:‏ أَنْ لاَ يَقْصُرَ إلَى السَّوَادِ‏,‏ وَبَيْنَ الْكُوفَةِ وَالسَّوَادِ‏:‏ سَبْعُونَ مِيلاً‏.‏

وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ‏,‏ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ‏:‏ لاَ يَطَأُ أَحَدُكُمْ بِمَاشِيَتِهِ أَحْدَابَ الْجِبَالِ‏,‏ وَبُطُونَ الأَوْدِيَةِ‏,‏ وَتَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ سَفَرٌ‏,‏ لاَ، وَلاَ كَرَامَةَ‏,‏ إنَّمَا التَّقْصِيرُ فِي السَّفَرِ الْبَاتُّ‏,‏ مِنْ الآُفُقِ إلَى الآُفُقِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمٍ عن ابْنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَقُولُونَ‏:‏ السَّفَرُ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ‏:‏ الَّذِي يُحْمَلُ فِيهِ الزَّادُ وَالْمَزَادُ وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ شُقَيْقِ بْنِ سَلَمَةَ‏:‏ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَصْرِ الصَّلاَةِ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى وَاسِطَ فَقَالَ‏:‏ لاَ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ فِي ذَلِكَ‏,‏ وَبَيْنَهُمَا مِائَةُ مِيلٍ وَخَمْسُونَ مِيلاً فَهُنَا قَوْلٌ‏:‏ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ أَدْنَى مَا يُقْصِرُ الصَّلاَةَ إلَيْهِ‏:‏ مَالٌ لَهُ بِخَيْبَرَ‏,‏ وَهِيَ مَسِيرَةُ ثَلاَثٍ فَوَاصِلٌ لَمْ يَكُنْ يُقْصِرُ فِيمَا دُونَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ‏,‏ وَحُمَيْدٍ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ نَافِع ٍعن ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقْصِرُ الصَّلاَةَ فِيمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ‏,‏ وَخَيْبَرَ‏,‏ وَهِيَ كَقَدْرِ الأَهْوَازِ مِنْ الْبَصْرَةِ‏,‏ لاَ يَقْصُرُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ بَيْنَ الْمَدِينَةِ‏,‏ وَخَيْبَرَ كَمَا بَيْنَ الْبَصْرَةِ‏,‏ وَالأَهْوَازِ‏:‏ وَهُوَ مِائَةُ مِيلٍ وَاحِدَةٌ غَيْرُ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَهَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيه ِعن ابْنِ عُمَرَ‏,‏ ثُمَّ عَنْ نَافِعٍ أَيْضًا عن ابْنِ عُمَرَ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ‏,‏ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لاَ قَصْرَ فِي أَقَلِّ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ مِيلاً‏,‏ كَمَا بَيْنَ الْكُوفَةِ‏,‏ وَبَغْدَادَ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيِّ الأَسَدِيِّ قَالَ‏:‏ سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ تَقْصِيرِ الصَّلاَةِ فَقَالَ‏:‏ حَاجٌّ‏,‏ أَوْ مُعْتَمِرٌ‏,‏ أَوْ غَازٍ قُلْت‏:‏ لاَ‏,‏ وَلَكِنَّ أَحَدَنَا تَكُونُ لَهُ الضَّيْعَةُ بِالسَّوَادِ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ تَعْرِفُ السُّوَيْدَاءَ قُلْت‏:‏ سَمِعْت بِهَا وَلَمْ أَرَهَا‏,‏ قَالَ‏:‏ فَإِنَّهَا ثَلاَثٌ وَلَيْلَتَانِ وَلَيْلَةٌ لِلْمُسْرِعِ‏,‏ إذَا خَرَجْنَا إلَيْهَا قَصَرْنَا قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى السُّوَيْدَاءِ‏:‏ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مِيلاً‏,‏ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا فَهَذِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى عن ابْنِ عُمَرَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى يَقُولُ‏:‏ سَمِعْت سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ يَقُولُ‏:‏ إذَا سَافَرْت ثَلاَثًا فَاقْصُرْ الصَّلاَةَ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏,‏ أَنَّهُ قَالَ فِي قَصْرِ الصَّلاَةِ‏,‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَتِهِ‏:‏ مَسِيرَةَ ثَلاَثٍ وَقَالَ سُفْيَانُ فِي رِوَايَتِهِ‏:‏ إلَى نَحْوِ الْمَدَائِنِ يَعْنِي مِنْ الْكُوفَةِ‏,‏ وَهُوَ نَحْوُ نَيِّفٍ وَسِتِّينَ مِيلاً‏,‏ لاَ يَتَجَاوَزُ ثَلاَثَةً وَسِتِّينَ، وَلاَ يَنْقُصُ عَنْ وَاحِدٍ وَسِتِّينَ وَبِهَذَيْنِ التَّحْدِيدَيْنِ جَمِيعًا يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ‏.‏

وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الثَّلاَثِ‏:‏ سَيْرُ الأَقْدَامِ وَالثِّقَلِ وَالإِبِلِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ‏:‏ لاَ قَصْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلاَثٍ‏,‏ وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ تَحْدِيدَ الثَّلاَثِ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَصْرِ الصَّلاَةِ‏:‏ فِي مَسِيرَةِ ثَلاَثٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ

حدثنا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ سَمِعْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ‏:‏ لاَ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ فِي أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ لَيْلَتَيْنِ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ الْحَسَنِ‏:‏ لاَ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ إلاَّ فِي لَيْلَتَيْنِ‏,‏ وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ تَحْدِيدَ اللَّيْلَتَيْنِ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلُهُ‏,‏ قَالَ‏:‏ وَبِهِ يَأْخُذُ قَتَادَةُ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلُهُ‏,‏ إلاَّ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ وَلَمْ نَجِدْ عَنْ قَتَادَةَ‏,‏ وَلاَ عَنْ الزُّهْرِيِّ‏:‏ تَحْدِيدَ الْيَوْمَيْنِ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِد عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ إذَا سَافَرْت يَوْمًا إلَى الْعِشَاءِ فَأَتِمَّ‏,‏ فَإِنْ زِدْت فَقَصْرٌ وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ

حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لاَ يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ عَنْ مَسِيرَةِ يَوْمٍ إلَى الْعَتَمَةِ‏,‏ إلاَّ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَهَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيه ِعن ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ‏:‏ قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَقْصُرُ إلَى عَرَفَةَ قَالَ‏:‏ لاَ‏,‏ وَلَكِنْ إلَى الطَّائِفِ وَعُسْفَانَ‏,‏ فَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلاً وَعَنْ مَعْمَرٍ أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ مَسِيرَةَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَهَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيه عن ابْنِ عُمَرَ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِهَذَا يَأْخُذُ اللَّيْثُ‏,‏ وَمَالِكٌ فِي أَشْهَرِ أَقْوَالِهِ عَنْهُ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ فَإِنْ كَانَتْ أَرْضٌ لاَ أَمْيَالَ فِيهَا فَلاَ قَصْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلثِّقَلِ قَالَ‏:‏ وَهَذَا أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ إلَيَّ‏.‏

وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُ‏:‏ لاَ قَصْرَ إلاَّ فِي خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً فَصَاعِدًا وَرُوِيَ عَنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لاَ قَصْرَ إلاَّ فِي اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً فَصَاعِدًا‏.‏

وَرُوِيَ عَنْهُ‏:‏ لاَ قَصْرَ إلاَّ فِي أَرْبَعِينَ مِيلاً فَصَاعِدًا‏.‏

وَرَوَى عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ‏:‏ لاَ قَصْرَ إلاَّ فِي سِتَّةٍ وَثَلاَثِينَ مِيلاً فَصَاعِدًا ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ‏:‏ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْمَبْسُوطِ‏.‏

وَرَأَى لاَِهْلِ مَكَّةَ خَاصَّةً فِي الْحَجِّ خَاصَّةً‏:‏ أَنْ يَقْصُرُوا الصَّلاَةَ إلَى مِنًى فَمَا فَوْقَهَا‏,‏ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ‏.‏

وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ‏,‏ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ خَرَجَ ثَلاَثَةَ أَمْيَالٍ كَالرِّعَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَتَأَوَّلَ فَأَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إلاَّ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَرُوِّينَا عَنْ الشَّافِعِيِّ‏:‏ لاَ قَصْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً بِالْهَاشِمِيِّ وَهَهُنَا أَقْوَالٌ أُخَرُ أَيْضًا‏:‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ شُبَيْلٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ‏:‏ قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَقْصُرُ إلَى الآُبُلَّةِ قَالَ‏:‏ تَذْهَبُ وَتَجِيءُ فِي يَوْمٍ قُلْت‏:‏ نَعَمْ‏,‏ قَالَ‏:‏ لاَ‏,‏ إلاَّ يَوْمٌ مُتَاحٌ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ‏,‏ قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَقْصُرُ إلَى مِنًى أَوْ عَرَفَةَ قَالَ‏:‏ لاَ‏,‏ وَلَكِنْ إلَى الطَّائِفِ‏,‏ أَوْ جُدَّةَ‏,‏ أَوْ عُسْفَانَ‏,‏ فَإِذَا وَرَدْت عَلَى مَاشِيَةٍ لَك‏,‏ أَوْ أَهْلٍ‏:‏ فَأَتِمَّ الصَّلاَةَ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ مِنْ عُسْفَانَ إلَى مَكَّةَ بِتَكْسِيرِ الْحُلَفَاءِ اثْنَانِ وَثَلاَثُونَ مِيلاً‏.‏

وَأَخْبَرَنَا الثِّقَاتُ أَنَّ مِنْ جُدَّةَ إلَى مَكَّةَ‏:‏ أَرْبَعِينَ مِيلاً‏.‏

وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ نَافِع ٍعن ابْنِ عُمَرَ‏:‏ لاَ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ إلاَّ فِي يَوْمٍ تَامٍّ وَعَنْ مَالِكٍ عن ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَافَرَ إلَى رِيمٍ فَقَصَرَ الصَّلاَةَ‏.‏

قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ‏:‏ وَهِيَ عَلَى ثَلاَثِينَ مِيلاً مِنْ الْمَدِينَةِ‏.‏

وَعَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ إذَا خَرَجْتَ فَبِتَّ فِي غَيْرِ أَهْلِكَ فَاقْصُرْ‏,‏ فَإِنْ أَتَيْتَ أَهْلَكَ فَأَتْمِمْ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ الأَوْزَاعِيُّ‏:‏ لاَ قَصْرَ إلاَّ فِي يَوْمٍ تَامٍّ وَلَمْ نَجِدْ عَنْ هَؤُلاَءِ تَحْدِيدَ الْيَوْمِ وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِع ٍعن ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ قَصَدَ إلَى ذَاتِ النُّصْبِ‏,‏ وَكُنْت أُسَافِرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلاَ يَقْصُرُ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ‏:‏ ذَاتُ النُّصْبِ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ حدثنا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ‏:‏ خَرَجْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى ذَاتِ النُّصْبِ وَهِيَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً فَلَمَّا أَتَاهَا قَصَرَ الصَّلاَةَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ

حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا جُوَيْبِرٌ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ‏:‏ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَرَجَ إلَى النُّخَيْلَةِ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ‏,‏ وَالْعَصْرَ‏:‏ رَكْعَتَيْنِ‏,‏ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ يَوْمِهِ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ أَرَدْت أَنْ أُعَلِّمَكُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ

حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حدثنا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ خَرَجْت مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إلَى أَرْضِهِ بِبَذْقِ سِيرِينَ وَهِيَ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةِ فَرَاسِخَ فَصَلَّى بِنَا الْعَصْرَ فِي سَفِينَةٍ‏,‏ وَهِيَ تَجْرِي بِنَا فِي دَجْلَةَ قَاعِدًا عَلَى بِسَاطٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ‏,‏ ثُمَّ صَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَمِنْ طَرِيقِ الْبَزَّازِ

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عن ابْنِ السِّمْطِ هُوَ شُرَحْبِيلُ‏:‏ أَنَّهُ أَتَى أَرْضًا يُقَالُ لَهَا ‏"‏ دَوْمِينُ ‏"‏ مِنْ حِمْصٍ عَلَى بِضْعَةَ عَشَرَ مِيلاً فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ‏,‏ فَقُلْت لَهُ‏:‏ أَتُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَالَ‏:‏ رَأَيْتُ عُمَرَ يُصَلِّي بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ‏,‏ وَقَالَ أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ ‏"‏‏.‏

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ‏:‏ خَرَجَ ابْنُ السِّمْطِ هُوَ شُرَحْبِيلُ إلَى أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا ‏"‏ دَوْمِينُ ‏"‏ مِنْ حِمْصٍ عَلَى ثَلاَثَةَ عَشَرَ مِيلاً‏,‏ فَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ‏:‏ أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ‏.‏

وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إلَى شُرَحْبِيلَ عن ابْنِ عُمَرَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ لَوْ كَانَ هَذَا فِي طَرِيقِ الْحَجِّ لَمْ يَسْأَلْهُ، وَلاَ أُنْكِرُ ذَلِكَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ

حدثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْوَرْدِ بْنِ ثُمَامَةَ عَنْ اللَّجْلاَجِ قَالَ‏:‏ كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثَلاَثَةَ أَمْيَالٍ فَيَتَجَوَّزُ فِي الصَّلاَةِ فَيُفْطِرُ وَيَقْصُرُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ

حدثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حدثنا شُعْبَةُ قَالَ‏:‏ سَمِعْت مُيَسَّرَ بْنَ عِمْرَانَ بْنِ عُمَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ‏:‏ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ رَدِيفُهُ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ مَسِيرَةَ أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ‏,‏ فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ‏,‏ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ‏.‏

قَالَ شُعْبَةُ‏:‏ أَخْبَرَنِي بِهَذَا مُيَسَّرُ بْنُ عِمْرَانَ‏,‏ وَأَبُوهُ عِمْرَانُ بْنُ عُمَيْرٍ شَاهِدٌ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ عُمَيْرٌ هَذَا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ

حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ فَيْرُوزَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلْدَةَ عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ فِي مَسِيرَةِ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ هَذَا طَائِيٌّ وَلاَّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ‏,‏ مَشْهُورٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ

حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا مِسْعَرٌ، هُوَ ابْنُ كِدَامٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ إنِّي لاَُسَافِرُ السَّاعَةَ مِنْ النَّهَارِ فَأَقْصُرُ‏,‏ يَعْنِي الصَّلاَةَ‏.‏

مُحَارِبٌ هَذَا سُدُوسِيٌّ قَاضِي الْكُوفَةِ‏,‏ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ‏,‏ أَحَدُ الأَئِمَّةِ‏,‏ وَمِسْعَرٌ أَحَدُ الأَئِمَّةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى

حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ‏:‏ سَمِعْت جَبَلَةَ بْنَ سُحَيْمٍ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ لَوْ خَرَجْتُ مِيلاً قَصَرْت الصَّلاَةَ جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ تَابِعٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ‏.‏

وَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ كِلاَهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قَالَ‏:‏ سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قَصْرِ الصَّلاَةِ فَقَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاَثَةِ فَرَاسِخَ شَكَّ شُعْبَةُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُجِيبَ أَنَسٌ إذَا سُئِلَ إلاَّ بِمَا يَقُولُ بِهِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ‏:‏ أَنَّ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ أَفْطَرَ فِي مَسِيرٍ لَهُ مِنْ الْفُسْطَاطِ إلَى قَرْيَةٍ عَلَى ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ مِنْهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ

حدثنا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ لَقَدْ كَانَتْ لِي أَرْضٌ عَلَى رَأْسِ فَرْسَخَيْنِ فَلَمْ أَدْرِ أَأَقْصُرُ الصَّلاَةَ إلَيْهَا أَمْ أُتِمُّهَا وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ

حدثنا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ‏:‏ سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ‏:‏ أَأَقْصُرُ الصَّلاَةَ وَأُفْطِرُ فِي بَرِيدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏,‏ وَهَذَا إسْنَادٌ كَالشَّمْسِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ زَمْعَةَ، هُوَ ابْنُ صَالِحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ هُوَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ يُقْصَرُ فِي مَسِيرَةِ سِتَّةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ

حدثنا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ‏:‏ لَوْ خَرَجْت إلَى دَيْرِ الثَّعَالِبِ لَقَصَرْت وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ‏,‏ وَسَالِمٍ‏:‏ أَنَّهُمَا أَمَرَا رَجُلاً مَكِّيًّا بِالْقَصْرِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى‏,‏ وَلَمْ يَخُصَّا حَجًّا مِنْ غَيْرِهِ‏,‏ وَلاَ مَكِّيًّا مِنْ غَيْرِهِ‏.‏

وَصَحَّ عَنْ كُلْثُومِ بْنِ هَانِئٍ‏,‏ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ‏,‏ وَقَبِيصَةِ بْنِ ذُؤَيْبٍ‏:‏ الْقَصْرُ فِي بِضْعَةَ عَشَرَ مِيلاً‏.‏

وَبِكُلِّ هَذَا نَقُولُ، وَبِهِ يَقُولُ أَصْحَابُنَا فِي السَّفَرِ‏:‏ إذَا كَانَ عَلَى مِيلٍ فَصَاعِدًا فِي حَجٍّ‏,‏ أَوْ عُمْرَةٍ‏,‏ أَوْ جِهَادٍ‏,‏ وَفِي الْفِطْرِ‏,‏ فِي كُلِّ سَفَرٍ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَهِمَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا أَوْرَدْنَا‏:‏ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ‏,‏ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ‏,‏ وَدِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ‏,‏ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ‏,‏ وَابْنُ عُمَرَ‏,‏ وَأَنَسٌ‏,‏ وَشُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ‏.‏

وَمِنْ التَّابِعِينَ‏:‏ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ‏,‏ وَالشَّعْبِيُّ‏,‏ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ‏,‏ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ‏,‏ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ‏,‏ وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ‏,‏ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ‏,‏ وَكُلْثُومُ بْنُ هَانِئٍ‏,‏ وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ‏,‏ وَغَيْرُهُمْ‏.‏

وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ‏,‏ وَيَدْخُلُ فِيمَنْ قَالَ بِهَذَا‏:‏ مَالِكٌ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ‏,‏ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي الْمُفْطِرِ مُتَأَوِّلاً‏,‏ وَفِي الْمَكِّيِّ يَقْصُرُ بِمِنًى وَعَرَفَةَ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَإِنَّمَا تَقَصَّيْنَا الرِّوَايَاتِ فِي هَذِهِ الأَبْوَابِ‏,‏ لاَِنَّنَا وَجَدْنَا الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ قَدْ أَخَذُوا يُجَرِّبُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي دَعْوَى الإِجْمَاعِ عَلَى قَوْلِهِمْ بَلْ قَدْ هَجَمَ عَلَى ذَلِكَ كَبِيرٌ مِنْ هَؤُلاَءِ وَكَبِيرٌ مِنْ هَؤُلاَءِ‏.‏

فَقَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ لَمْ أَجِدْ أَحَدًا قَالَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقَصْرِ فِيمَا قلنا بِهِ‏,‏ فَهُوَ إجْمَاعٌ وَقَالَ الآخَرُ‏:‏ قَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ فَاحْتَسَبْنَا الأَجْرَ فِي إزَالَةِ ظُلْمَةِ كَذِبِهِمَا عَنْ الْمُغْتَرِّ بِهِمَا‏,‏ وَلَمْ نُورِدْ إلاَّ رِوَايَةً مَشْهُورَةً ظَاهِرَةً عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِالنَّقْلِ‏,‏ وَفِي الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ عِنْدَ صِبْيَانِ الْمُحَدِّثِينَ‏,‏ فَكَيْفَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ أَمَّا مَنْ قَالَ بِتَحْدِيدِ مَا يُقْصَرُ فِيهِ بِالسَّفَرِ‏,‏ مِنْ أُفُقٍ إلَى أُفُقٍ‏,‏ وَحَيْثُ يُحْمَلُ الزَّادُ وَالْمَزَادُ وَفِي سِتَّةٍ وَتِسْعِينَ مِيلاً‏,‏ وَفِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ مِيلاً‏,‏ وَفِي اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِيلاً‏,‏ وَفِي ثَلاَثَةٍ وَسِتِّينَ مِيلاً‏,‏ أَوْ فِي أَحَدٍ وَسِتِّينَ مِيلاً‏,‏ أَوْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً‏,‏ أَوْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً‏,‏ أَوْ أَرْبَعِينَ مِيلاً‏,‏ أَوْ سِتَّةٍ وَثَلاَثِينَ مِيلاً‏:‏ فَمَا لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلاً، وَلاَ مُتَعَلِّقَ‏,‏ لاَ مِنْ قُرْآنٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ‏,‏ وَلاَ سَقِيمَةٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ‏,‏ وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ لاَ مُخَالِفٍ لَهُ مِنْهُمْ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ وَجْهَ لِلاِشْتِغَالِ بِهِ ثُمَّ نَسْأَلُ مَنْ حَدَّ مَا فِيهِ الْقَصْرُ‏,‏ وَالْفِطْرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَيِّ مِيلٍ هُوَ ثُمَّ نَحُطُّهُ مِنْ الْمِيلِ عَقْدًا أَوْ فَتَرًا أَوْ شِبْرًا‏,‏ وَلاَ نَزَالُ نَحُطُّهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ التَّحَكُّمِ فِي الدِّينِ‏,‏ أَوْ تَرْكِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فَسَقَطَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ جُمْلَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ لِوُجُوهٍ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ لَيْسَ التَّحْدِيدُ بِالأَمْيَالِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا‏,‏ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَهُمَا‏.‏

وَالثَّالِثُ‏:‏ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عنهما أَشَدُّ الاِخْتِلاَفِ كَمَا أَوْرَدْنَا‏.‏

فَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ‏,‏ وَحُمَيْدٍ كِلاَهُمَا عَنْ نَافِعٍ‏,‏ وَوَافَقَهُمَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لاَ يَقْصُرُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ وَتِسْعِينَ مِيلاً وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ‏,‏ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْقَصْرِ فِي أَقَلَّ وَرَوَى هِشَامُ بْنُ الْغَازِ عَنْ نَافِعٍ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ‏:‏ لاَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ إلاَّ فِي الْيَوْمِ التَّامِّ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لاَ يُقْصَرُ فِي الْبَرِيدِ‏.‏

وقال مالك‏:‏ ذَاتُ النُّصْبِ‏,‏ وَرِيمٌ‏:‏ كِلْتَاهُمَا مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى نَحْوِ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ‏,‏ وَرَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيُّ‏:‏ لاَ قَصْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِيلاً‏.‏

وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ أَجَلُّ مِنْ نَافِعٍ‏:‏ أَنَّهُ قَصَرَ إلَى ثَلاَثِينَ مِيلاً‏.‏

وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ أَخِيهِ حَفْصُ بْنُ عَاصِمٍ وَهُوَ أَجَلُّ مِنْ نَافِعٍ وَأَعْلَمُ بِهِ‏:‏ أَنَّهُ قَصَرَ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً وَرَوَى عَنْهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ خَلْدَةَ‏,‏ وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ‏,‏ وَجَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ وَكُلُّهُمْ أَئِمَّةٌ‏:‏ الْقَصْرَ فِي أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ‏,‏ وَفِي ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ‏,‏ وَفِي مِيلٍ وَاحِدٍ‏,‏ وَفِي سَفَرِ سَاعَةٍ‏.‏

وَأَقْصَى مَا يَكُونُ سَفَرُ السَّاعَةِ مِنْ مِيلَيْنِ إلَى ثَلاَثَةٍ‏.‏

وأما ابْنُ عَبَّاسٍ فَرَوَى عَنْهُ عَطَاءٌ‏:‏ الْقَصْرَ إلَى عُسْفَانَ‏,‏ وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلاَثُونَ مِيلاً‏,‏ وَإِذَا وَرَدْت عَلَى أَهْلٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَأَتِمَّ‏,‏ وَلاَ تَقْصُرْ إلَى عَرَفَةَ، وَلاَ مِنًى‏.‏

وَرَوَى عَنْهُ مُجَاهِدٌ‏:‏ لاَ قَصْرَ فِي يَوْمٍ إلَى الْعَتَمَةِ‏,‏ لَكِنْ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ‏:‏ لاَ قَصْرَ إلاَّ فِي يَوْمٍ مُتَاحٍ‏.‏

وَقَدْ خَالَفَهُ مَالِكٌ فِي أَمْرِهِ عَطَاءً‏:‏ أَنْ لاَ يَقْصُرَ إلَى مِنًى، وَلاَ إلَى عَرَفَةَ‏,‏ وَعَطَاءٌ مَكِّيٌّ‏,‏ فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ قَوْلِهِ حُجَّةً وَجُمْهُورُ قَوْلِهِ لَيْسَ حُجَّةً وَخَالَفَهُ أَيْضًا مَالِكٌ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ إذَا قَدِمْت عَلَى أَهْلٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَأَتِمَّ الصَّلاَةَ‏.‏

فَحَصَلَ قَوْلُ مَالِكٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏:‏ خَارِجًا عَنْ أَنْ يَقْطَعَ بِأَنَّهُ تَحْدِيدُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏,‏ وَلاَ وُجِدَ بَيِّنًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ حَدَّ مَا فِيهِ الْقَصْرُ بِذَلِكَ‏.‏

وَلَعَلَّ التَّحْدِيدَ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ دُونِ عَطَاءٍ‏,‏ وَهُوَ هِشَامُ بْنُ رَبِيعَةَ‏.‏

وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ نَافِع ٍعن ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ مَنَعَ الْقَصْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَسَقَطَتْ أَقْوَالُ مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِالأَمْيَالِ الْمَذْكُورَةِ سُقُوطًا مُتَيَقَّنًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى قَوْلِ مَنْ حَدَّ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ‏,‏ أَوْ يَوْمَيْنِ‏,‏ أَوْ يَوْمٍ وَشَيْءٍ زَائِدٍ‏,‏ أَوْ يَوْمٍ تَامٍّ‏,‏ أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ‏:‏ فَلَمْ نَجِدْ لِمَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَزِيَادَةِ شَيْءٍ مُتَعَلِّقًا أَصْلاً‏,‏ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ فَنَظَرْنَا فِي الأَقْوَالِ الْبَاقِيَةِ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا إلاَّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ‏,‏ وَأَبِي هُرَيْرَةَ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ فِي نَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنْ السَّفَرِ‏:‏ فِي بَعْضِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَفِي بَعْضِهَا لَيْلَتَيْنِ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَفِي بَعْضِهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَفِي بَعْضِهَا يَوْمًا إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ‏"‏‏.‏

فَتَعَلَّقَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فأما مَنْ تَعَلَّقَ بِلَيْلَتَيْنِ‏,‏ أَوْ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ‏:‏ فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ أَصْلاً‏;‏ لأَِنَّهُ قَدْ جَاءَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ بِيَوْمٍ‏,‏ وَجَاءَ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ‏,‏ فَلاَ مَعْنَى لِلتَّعَلُّقِ بِالْيَوْمَيْنِ‏,‏ وَلاَ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ‏,‏ دُونَ هَذَيْنِ الْعَدَدَيْنِ الآخَرَيْنِ أَصْلاً‏.‏

وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يُشْغَبَ هَاهُنَا بِالتَّعَلُّقِ بِالأَكْثَرِ مِمَّا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ‏,‏ أَوْ بِالأَقَلِّ مِمَّا ذُكِرَ فِيهِ وأما التَّعَلُّقُ بِعَدَدٍ قَدْ جَاءَ النَّصُّ بِأَقَلَّ مِنْهُ‏,‏ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ‏,‏ فَلاَ وَجْهَ لَهُ أَصْلاً‏,‏ فَسَقَطَ هَذَانِ الْقَوْلاَنِ أَيْضًا فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ تَعَلَّقَ بِالثَّلاَثِ‏,‏ أَوْ بِالْيَوْمِ‏:‏ فَكَانَ مِنْ شَغَبِ مَنْ تَعَلَّقَ بِالْيَوْمِ أَنْ قَالَ‏:‏ هُوَ أَقَلُّ مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ‏,‏ فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ حَدُّ السَّفَرِ الَّذِي مَا دُونَهُ بِخِلاَفِهِ‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَدًّا لِمَا يُقْصَرُ فِيهِ قَالُوا‏:‏ وَكَانَ مَنْ أَخَذَ بِحَدِّنَا قَدْ اسْتَعْمَلَ حُكْمَ اللَّيْلَتَيْنِ وَالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَالثَّلاَثِ‏,‏ وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ حُكْمِ مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ شَيْئًا‏:‏ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّنْ أَسْقَطَ أَكْثَرَ مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَقُلْنَا لَهُمْ‏:‏ تَأْتُوا بِشَيْءٍ فَإِنْ كُنْتُمْ إنَّمَا تَعَلَّقْتُمْ بِالْيَوْمِ‏;‏ لأَِنَّهُ أَقَلُّ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ‏:‏ فَلَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ‏,‏ وَقَدْ جَهِلْتُمْ أَوْ تَعَمَّدْتُمْ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا ‏"‏‏.‏

وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا ‏"‏‏.‏

وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ لَيْلَةً إلاَّ وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا‏.‏

وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ‏.‏

وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ‏:‏ ‏"‏ أَنْ تُسَافِرَ بَرِيدًا ‏"‏ وَسَعِيدٌ أَدْرَكَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعَ مِنْهُ فَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏,‏ ثُمَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ‏,‏ وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ كَمَا أَوْرَدْنَا‏.‏

وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَضْطَرِبْ عَلَيْهِ، وَلاَ اُخْتُلِفَ عَنْهُ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ‏,‏ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، حدثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ‏,‏ هُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ‏,‏ وَلاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ‏.‏

فَعَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَتِهِ كُلَّ سَفَرٍ دُونَ الْيَوْمِ وَدُونَ الْبَرِيدِ وَأَكْثَرَ مِنْهُمَا‏,‏ وَكُلُّ سَفَرٍ قَلَّ أَوْ طَالَ فَهُوَ عَامٌّ لِمَا فِي سَائِرِ الأَحَادِيثِ وَكُلُّ مَا فِي سَائِرِ الأَحَادِيثِ فَهُوَ بَعْضُ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا فَهُوَ الْمُحْتَوِي عَلَى جَمِيعِهَا‏,‏ وَالْجَامِعُ لَهَا كُلِّهَا‏,‏ وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَدَّى مَا فِيهِ إلَى غَيْرِهِ‏,‏ فَسَقَطَ قَوْلُ مَنْ تَعَلَّقَ بِالْيَوْمِ أَيْضًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِالثَّلاَثِ فَوَجَدْنَاهُمْ يَتَعَلَّقُونَ بِذِكْرِ الثَّلاَثِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَبِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَسْحِ ‏"‏ لِلْمُسَافِرِ ثَلاَثًا بِلَيَالِيِهِنَّ‏,‏ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ نَجِدْهُمْ مَوَّهُوا بِغَيْرِ هَذَا أَصْلاً قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَقَالُوا‏:‏ مَنْ تَعَلَّقَ بِالثَّلاَثِ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الصَّوَابِ‏,‏ لأَِنَّهُ إنْ كَانَ عليه السلام ذَكَرَ نَهْيَهُ عَنْ سَفَرِهَا ثَلاَثًا قَبْلَ نَهْيِهِ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ‏:‏ فَالْخَبَرُ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الْيَوْمُ هُوَ الْوَاجِبُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ‏,‏ وَيَبْقَى نَهْيُهُ عَنْ سَفَرِهَا ثَلاَثًا غَيْرَ مَنْسُوخٍ‏,‏ بَلْ ثَابِتٌ كَمَا كَانَ‏.‏

وَإِنْ كَانَ ذُكِرَ نَهْيُهُ عَنْ سَفَرِهَا ثَلاَثًا بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ‏:‏ فَنَهْيُهُ عَنْ السَّفَرِ ثَلاَثًا هُوَ النَّاسِخُ لِنَهْيِهِ إيَّاهَا عَنْ السَّفَرِ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ قَالُوا‏:‏ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ حُكْمِ النَّهْيِ عَنْ السَّفَرِ ثَلاَثًا إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَعَلَى شَكٍّ مِنْ صِحَّةِ النَّهْيِ لَهَا عَمَّا دُونَ الثَّلاَثِ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ الْيَقِينُ لِلشَّكِّ قال علي‏:‏ وهذا تَمْوِيهٌ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ ثَلاَثَةٍ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ النَّهْيُ أَنْ تُسَافِرَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ‏.‏

رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلاَثٍ إلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ قَزَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ لاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ‏"‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ‏,‏ وَوَكِيعٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إلاَّ وَمَعَهَا أَخُوهَا أَوْ أَبُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ ابْنُهَا‏,‏ أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا‏.‏

فَإِنْ كَانَ ذِكْرُ الثَّلاَثِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مُخْرِجًا لِمَا دُونَ الثَّلاَثِ‏,‏ مِمَّا قَدْ ذُكِرَ أَيْضًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ‏,‏ عَنْ حُكْمِ الثَّلاَثِ‏:‏ فَإِنَّ ذِكْرَ مَا فَوْقَ الثَّلاَثِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مُخْرِجٌ لِلثَّلاَثِ أَيْضًا‏,‏ وَإِنْ ذُكِرَتْ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ حُكْمِ مَا فَوْقَ الثَّلاَثِ‏,‏ وَإِلاَّ فَالْقَوْمُ مُتَلاَعِبُونَ مُتَحَكِّمُونَ بِالْبَاطِلِ وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا‏:‏ إنَّهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ حُكْمِ مَا فَوْقَ الثَّلاَثِ وَبَقَائِهِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ‏,‏ وَعَلَى شَكٍّ مِنْ صِحَّةِ بَقَاءِ النَّهْيِ عَنْ الثَّلاَثِ‏,‏ كَمَا قَالُوا فِي الثَّلاَثِ وَفِيمَا دُونَهَا سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ، وَلاَ فَرْقَ فَقَالُوا‏:‏ لَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَ الثَّلاَثِ وَبَيْنَ مَا فَوْقَ الثَّلاَثِ فَقِيلَ لَهُمْ‏:‏ قُلْتُمْ بِالْبَاطِلِ‏,‏ قَدْ صَحَّ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ حَدَّ مَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ لاَ بِثَلاَثٍ‏.‏

فَكَيْفَ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلٌ قَالَهُ رَجُلاَنِ مِنْ التَّابِعِينَ‏,‏ وَرَجُلاَنِ مِنْ فُقَهَاءِ الأَمْصَارِ‏,‏ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ فَمَا يَعُدُّهُ إجْمَاعًا إلاَّ مَنْ لاَ دِينَ لَهُ، وَلاَ حَيَاءَ فَكَيْفَ وَإِذْ قَدْ جَاءَ عن ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَدَّ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِيلاً إلَى السُّوَيْدَاءِ مَسِيرَةَ ثَلاَثٍ‏,‏ فَإِنَّ تَحْدِيدَهُ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ‏:‏ أَنْ لاَ قَصْرَ فِيمَا دُونَهُ لِسِتَّةٍ وَتِسْعِينَ مِيلاً‏:‏ مُوجِبٌ أَنَّ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلاَثٍ‏,‏ لأَِنَّ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مِيلاً‏,‏ وَمُحَالٌ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْعَدَدَيْنِ ثَلاَثًا مُسْتَوِيَةً وَالْوَجْهُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ قَدْ عَارَضَ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ حَدَّ بِالْيَوْمِ الْوَاحِدِ‏,‏ وَقَوْلُهُمْ‏:‏ نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ اسْتِعْمَالِنَا نَهْيَهُ عليه السلام عَنْ سَفَرِهَا يَوْمًا وَاحِدًا مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ وَنَهْيَهَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ لأَِنَّهُ إنْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ سَفَرِهَا ثَلاَثًا هُوَ الأَوَّلُ أَوْ هُوَ الآخِرُ‏,‏ فَإِنَّهَا مَنْهِيَّةٌ أَيْضًا عَنْ الْيَوْمِ‏,‏ وَلَيْسَ تَأْخِيرُ نَهْيِهَا عَنْ الثَّلاَثِ بِنَاسِخٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَهْيِهِ عليه السلام عَمَّا دُونَ الثَّلاَثِ‏,‏ وَأَنْتُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ مُخَالَفَتِكُمْ لِنَهْيِهِ عليه السلام لَهَا عَمَّا دُونَ الثَّلاَثِ‏,‏ وَخِلاَفُ أَمْرِهِ عليه السلام بِغَيْرِ يَقِينٍ لِلنَّسْخِ لاَ يَحِلُّ‏,‏ فَتَعَارَضَ الْقَوْلاَنِ وَالثَّالِثُ‏:‏ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَا‏:‏ قَاضٍ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ‏,‏ وَكُلُّهَا بَعْضُ مَا فِيهِ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ مَا فِيهِ أَصْلاً لأَِنَّ مَنْ عَمِلَ بِهِ فَقَدْ عَمِلَ بِجَمِيعِ الأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ‏,‏ وَمَنْ عَمِلَ بِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الأَحَادِيثِ دُونَ سَائِرِهَا فَقَدْ خَالَفَ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ ثُمَّ لَوْ لَمْ تَتَعَارَضْ الرِّوَايَاتُ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ نَهْيُ الْمَرْأَةِ عَنْ سَفَرِ مُدَّةٍ مَا إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ‏,‏ وَلاَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ مُدَّةُ مَسْحِ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ‏:‏ ذِكْرٌ أَصْلاً لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي يَقْصُرُ فِيهَا وَيُفْطِرُ‏,‏ وَلاَ يَقْصُرُ‏,‏ وَلاَ يُفْطِرُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا‏.‏

وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى‏:‏ ذَكَرَ الْقَصْرَ فِي الضَّرْبِ فِي الأَرْضِ مَعَ الْخَوْفِ‏.‏

وَذَكَرَ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَذَكَرَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ‏:‏ فَجَعَلَ هَؤُلاَءِ حُكْمَ نَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنْ السَّفَرِ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ‏,‏ وَحُكْمُ مَسْحِ الْمُسَافِرِ‏:‏ دَلِيلٌ عَلَى مَا يَقْصُرُ فِيهِ وَيُفْطِرُ‏,‏ دُونَ مَا لاَ قَصْرَ فِيهِ، وَلاَ فِطْرَ‏,‏ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ دَلِيلاً عَلَى السَّفَرِ الَّذِي يَتَيَمَّمُ فِيهِ مِنْ السَّفَرِ الَّذِي لاَ يُتَيَمَّمُ فِيهِ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قِسْنَا مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ‏,‏ وَمَا لاَ تُقْصَرُ فِيهِ عَلَى مَا تُسَافِرُ فِيهِ الْمَرْأَةُ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ‏,‏ وَمَا لاَ تُسَافِرُهُ‏,‏ وَعَلَى مَا يَمْسَحُ فِيهِ الْمُقِيمُ‏,‏ وَمَا لاَ يَمْسَحُ قلنا لَهُمْ‏:‏ وَلِمَ فَعَلْتُمْ هَذَا وَمَا الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ أَوْ مَا الشَّبَهُ بَيْنَهُمَا وَهَلاَّ قِسْتُمْ الْمُدَّةَ الَّتِي إذَا نَوَى إقَامَتَهَا الْمُسَافِرُ أَتَمَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَمَا يَعْجِزُ أَحَدٌ أَنْ يَقِيسَ بِرَأْيِهِ حُكْمًا عَلَى حُكْمٍ آخَرَ وَهَلاَّ قِسْتُمْ مَا يَقْصُرُ فِيهِ عَلَى مَا لاَ يَتَيَمَّمُ فِيهِ فَهُوَ أَوْلَى إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا‏,‏ أَوْ عَلَى مَا أَبَحْتُمْ فِيهِ لِلرَّاكِبِ التَّنَفُّلَ عَلَى دَابَّتِهِ‏.‏

ثم نقول لَهُمْ‏:‏ أَخْبِرُونَا عَنْ قَوْلِكُمْ‏:‏ إنْ سَافَرَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ قَصَرَ وَأَفْطَرَ‏,‏ وَإِنْ سَافَرَ أَقَلَّ لَمْ يَقْصُرْ وَلَمْ يُفْطِرْ‏:‏ مَا هَذِهِ الثَّلاَثَةُ الأَيَّامُ أَمِنْ أَيَّامِ حُزَيْرَانَ أَمْ مِنْ أَيَّامِ كَانُونَ الأَوَّلِ فَمَا بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الأَيَّامُ الَّتِي قُلْتُمْ‏,‏ أَسَيْرُ الْعَسَاكِرِ أَمْ سَيْرُ الرِّفَاقِ عَلَى الإِبِلِ‏,‏ أَوْ عَلَى الْحَمِيرِ‏,‏ أَوْ عَلَى الْبِغَالِ‏,‏ أَمْ سَيْرُ الرَّاكِبِ الْمُجِدِّ أَمْ سَيْرُ الْبَرِيدِ أَمْ مَشْيُ الرَّجَّالَةِ‏.‏

وَقَدْ عَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّ مَشْيَ الرَّاجِلِ الشَّيْخِ الضَّعِيفِ فِي وَحْلٍ وَوَعِرٍ‏,‏ أَوْ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ‏:‏ خِلاَفُ مَشْيِ الرَّاكِبِ عَلَى الْبَغْلِ الْمُطِيقِ فِي الرَّبِيعِ فِي السَّهْلِ‏,‏ وَأَنَّ هَذَا يَمْشِي فِي يَوْمٍ مَا لاَ يَمْشِيهِ الآخَرُ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَأَخْبِرُونَا عَنْ هَذِهِ الأَيَّامِ‏:‏ كَيْفَ هِيَ أَمَشْيًا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ أَمْ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ‏,‏ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ قَلِيلاً‏,‏ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ قَلِيلاً أَمْ النَّهَارُ وَاللَّيْلُ مَعًا أَمْ كَيْفَ هَذَا وَأَخْبِرُونَا‏:‏ كَيْفَ جَعَلْتُمْ هَذِهِ الأَيَّامَ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ مِيلاً عَلَى وَاحِدٍ وَعِشْرِينَ مِيلاً كُلَّ يَوْمٍ وَلَمْ تَجْعَلُوهَا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِيلاً عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مِيلاً كُلَّ يَوْمٍ أَوْ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ مِيلاً كُلَّ يَوْمٍ أَوْ عِشْرِينَ مِيلاً كُلَّ يَوْمٍ أَوْ خَمْسَةً وَثَلاَثِينَ مِيلاً كُلَّ يَوْمٍ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذِهِ الْمَسَافَاتِ تَمْشِيهَا الرِّفَاقُ‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى تَحْدِيدِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا دُونَ سَائِرِهِ إلاَّ بِرَأْيٍ فَاسِدٍ‏.‏

وَهَكَذَا يُقَالُ لِمَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ‏,‏ أَوْ بِلَيْلَةٍ‏,‏ أَوْ بِيَوْمٍ‏,‏ أَوْ بِيَوْمَيْنِ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ هَذَا الاِعْتِرَاضُ يَلْزَمُكُمْ أَنْ تُدْخِلُوهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرِهِ الْمَرْأَةَ أَنْ لاَ تُسَافِرَ ثَلاَثًا أَوْ لَيْلَتَيْنِ‏,‏ أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ يَوْمًا إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ‏,‏ وَفِي تَحْدِيدِهِ عليه السلام مَسْحَ الْمُسَافِرِ ثَلاَثًا وَالْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً قلنا، وَلاَ كَرَامَةَ لِقَائِلِ هَذَا مِنْكُمْ‏:‏ بَلْ بَيْنَ تَحْدِيدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَحْدِيدِكُمْ أَعْظَمُ الْفَرْقِ‏,‏ وَهُوَ أَنَّكُمْ لَمْ تَكِلُوا الأَيَّامَ الَّتِي جَعَلْتُمُوهَا حَدًّا لِمَا يَقْصُرُ فِيهِ وَمَا يُفْطِرُ‏,‏ أَوْ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ كَذَلِكَ‏,‏ الَّتِي جَعَلَهَا مِنْكُمْ مَنْ جَعَلَهَا حَدًّا‏:‏ إلَى مَشْيِ الْمُسَافِرِ الْمَأْمُورِ بِالْقَصْرِ أَوْ الْفِطْرِ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ بَلْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ جَعَلَتْ لِذَلِكَ حَدًّا مِنْ مِسَاحَةِ الأَرْضِ لاَ يَنْقُصُ مِنْهَا شَيْءٌ‏;‏ لاَِنَّكُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَشَى ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً‏,‏ أَوْ عِشْرِينَ مِيلاً لاَ يَقْصُرُ‏,‏ فَإِنْ مَشَى يَوْمًا وَلَيْلَةً ثَلاَثِينَ مِيلاً فَإِنَّهُ لاَ يَقْصُرُ‏.‏

وَاتَّفَقْتُمْ أَنَّهُ مَنْ مَشَى ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ بَرِيدًا غَيْرُ شَيْءٍ أَوْ جَمَعَ ذَلِكَ الْمَشْيَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ لاَ يَقْصُرُ وَاتَّفَقْتُمْ مَعْشَرَ الْمُمَوِّهِينَ بِذِكْرِ الثَّلاَثِ لَيَالِي فِي الْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَشَى مِنْ يَوْمِهِ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ مِيلاً فَإِنَّهُ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ‏.‏

وَلَوْ لَمْ يَمْشِ إلاَّ بَعْضَ يَوْمٍ وَهَذَا مُمْكِنٌ جِدًّا‏,‏ كَثِيرٌ فِي النَّاسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَرْأَةَ بِأَنْ لاَ تُسَافِرَ ثَلاَثًا أَوْ يَوْمًا إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ‏.‏

وَأَمْرُهُ عليه السلام الْمُسَافِرَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ بِالْمَسْحِ ثُمَّ يَخْلَعُ‏,‏ لأَِنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ مَوْكُولَةٌ إلَى حَالَةِ الْمُسَافِرِ وَالْمُسَافِرَةِ‏,‏ عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام الَّذِي لَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ لَبَيَّنَهُ لاُِمَّتِهِ‏.‏

فَلَوْ أَنَّ مُسَافِرَةً خَرَجَتْ تُرِيدُ سَفَرَ مِيلٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَخْرُجَهُ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ إلاَّ لِضَرُورَةٍ وَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا سَافَرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَمْيَالٍ يَمْشِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِيلاً لَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ وَلَوْ سَافَرَ يَوْمًا وَأَقَامَ آخَرَ وَسَافَرَ ثَالِثًا لَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ الأَيَّامَ الثَّلاَثَةَ كَمَا هِيَ‏.‏

وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ عليه السلام إلاَّ خَبَرُ الثَّلاَثِ فَقَطْ لَكَانَ الْقَوْلُ‏:‏ أَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ خَرَجَتْ فِي سَفَرٍ مِقْدَارَ قُوَّتِهَا فِيهِ أَنْ لاَ تَمْشِيَ إلاَّ مِيلَيْنِ مِنْ نَهَارِهَا أَوْ ثَلاَثَةً‏:‏ لَمَا حَلَّ‏,‏ لَهَا إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ‏.‏

فَلَوْ كَانَ مِقْدَارُ قُوَّتِهَا أَنْ تَمْشِيَ خَمْسِينَ مِيلاً كُلَّ يَوْمٍ لَكَانَ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَسَافَةَ مِائَةِ مِيلٍ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ لَكِنْ وَحْدَهَا‏.‏

وَاَلَّذِي حَدَّهُ عليه السلام فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ مَعْقُولٌ مَفْهُومٌ مَضْبُوطٌ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمِسَاحَةٍ مِنْ الأَرْضِ لاَ تَتَعَدَّى‏,‏ بَلْ بِمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ اسْمَ سَفَرِ ثَلاَثٍ أَوْ سَفَرِ يَوْمٍ‏,‏ وَلاَ مَزِيدَ وَاَلَّذِي حَدَّدْتُمُوهُ أَنْتُمْ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَلاَ مَفْهُومٍ، وَلاَ مَضْبُوطٍ أَصْلاً بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَظَهَرَ فَرْقُ مَا بَيْنَ قَوْلِكُمْ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَبَيَّنَ فَسَادُ هَذِهِ الأَقْوَالِ كُلِّهَا بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ‏,‏ وَأَنَّهَا لاَ مُتَعَلِّقَ لَهَا، وَلاَ لِشَيْءٍ مِنْهَا لاَ بِقُرْآنٍ، وَلاَ بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ‏,‏ وَلاَ بِإِجْمَاعٍ، وَلاَ بِقِيَاسٍ، وَلاَ بِمَعْقُولٍ‏,‏ وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ نَفْسِهِ‏,‏ فَكَيْفَ أَنْ لاَ يُخَالِفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ‏,‏ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ فَإِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الأَخْبَارِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُ حَقٌّ كُلُّهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَمُقْتَضَاهَا‏,‏ مَنْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْهَا خَالَفَ الْحَقَّ‏,‏ لاَ سِيَّمَا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ خُرُوجِ الْمَكِّيِّ إلَى مِنًى وَإِلَى عَرَفَةَ فِي الْحَجِّ فَيَقْصُرُ‏:‏ وَبَيْنَ سَائِرِ جَمِيعِ بِلاَدِ الأَرْضِ يَخْرُجُونَ هَذَا الْمِقْدَارَ فَلاَ يَقْصُرُونَ، وَلاَ يُعْرَفُ هَذَا التَّفْرِيقُ عَنْ صَاحِبٍ، وَلاَ تَابِعٍ قَبْلَهُ وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنْ قَالَ‏:‏ إنَّمَا ذَلِكَ لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ‏:‏ بِمِنًى‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا لاَ يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْلاً‏,‏ وَإِنَّمَا هُوَ مَحْفُوظٌ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ لَهُمْ‏,‏ لأَِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُمْ إذْ أَخْرَجُوا حُكْمَ أَهْلِ مَكَّةَ بِمِنًى عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الأَسْفَارِ مِنْ أَجْلِ مَا ذَكَرُوا‏:‏ أَنْ يَقْصُرَ أَهْلُ مِنًى بِمِنًى وَبِمَكَّةَ‏;‏ لأَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَقُلْ لاَِهْلِ مِنًى‏:‏ أَتِمُّوا فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ عُرِفَ أَنَّ الْحَاضِرَ لاَ يَقْصُرُ قِيلَ لَهُمْ‏:‏ صَدَقْتُمْ‏,‏ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الأَسْفَارِ لَهُ حُكْمُ الإِقَامَةِ فَإِنَّهُمْ لاَ يَقْصُرُونَ فِيهَا‏,‏ فَإِنْ كَانَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى مِنْ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتِلْكَ الْمَسَافَةُ فِي جَمِيعِ بِلاَدِ اللَّهِ تَعَالَى كَذَلِكَ، وَلاَ فَرْقَ‏,‏ إذْ لَيْسَ إلاَّ سَفَرٌ أَوْ إقَامَةٌ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ، وَلاَ فَرْقَ وَقَدْ حَدَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَلِكَ بِمَا فِيهِ الْمَشَقَّةُ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَقُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ لأَِنَّ الْمَشَقَّةَ تَخْتَلِفُ‏,‏ فَنَجِدُ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشْيُ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ حَتَّى لاَ يَبْلُغَهَا إلاَّ بِشِقِّ النَّفْسِ‏,‏ وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا‏,‏ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ الأَغْلَبَ‏,‏ وَنَجِدُ مَنْ لاَ يَشُقُّ عَلَيْهِ الرُّكُوبُ فِي عِمَارِيَّةٍ فِي أَيَّامِ الرَّبِيعِ مُرَفَّهًا مَخْدُومًا شَهْرًا وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ‏,‏ فَبَطَلَ هَذَا التَّحْدِيدُ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَلْنَقُلْ الآنَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ عَلَى بَيَانِ السَّفَرِ الَّذِي يَقْصُرُ فِيهِ وَيُفْطِرُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏‏.‏

وَقَالَ عُمَرُ‏,‏ وَعَائِشَةُ‏,‏ وَابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ الصَّلاَةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ‏,‏ وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ الْمُسْلِمُونَ بِأَجْمَعِهِمْ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ‏,‏ فَلَيْسَ لأَِحَدٍ أَنْ يَخُصَّهُ إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ فإن قيل‏:‏ بَلْ لاَ يَقْصُرُ، وَلاَ يُفْطِرُ إلاَّ فِي سَفَرٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْقَصْرِ فِيهِ وَالْفِطْرِ قلنا لَهُمْ‏:‏ فَلاَ تَقْصُرُوا، وَلاَ تُفْطِرُوا إلاَّ فِي حَجٍّ‏,‏ أَوْ عُمْرَةٍ‏,‏ أَوْ جِهَادٍ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُكُمْ‏,‏ وَلَوْ قُلْتُمُوهُ لَكُنْتُمْ قَدْ خَصَّصْتُمْ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ بِلاَ بُرْهَانٍ‏,‏ وَلَلَزِمَكُمْ فِي سَائِرِ الشَّرَائِعِ كُلِّهَا أَنْ لاَ تَأْخُذَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا لاَ بِقُرْآنٍ‏,‏ وَلاَ بِسُنَّةٍ إلاَّ حَتَّى يُجْمِعَ النَّاسُ عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْهَا‏,‏ وَفِي هَذَا هَدْمُ مَذَاهِبِكُمْ كُلِّهَا‏,‏ بَلْ فِيهِ الْخُرُوجُ عَلَى الإِسْلاَمِ‏,‏ وَإِبَاحَةِ مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الدِّينِ كُلِّهِ‏,‏ إلاَّ حَتَّى يُجْمِعَ النَّاسُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ وَهَذَا نَفْسُهُ خُرُوجٌ عَنْ الإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ حَتَّى يَصِحَّ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَخْصُوصٌ أَوْ مَنْسُوخٌ‏,‏ فَيُوقَفُ عِنْدَ مَا صَحَّ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ فَإِنَّمَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم لِيُطَاعَ‏.‏

قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ‏}‏ وَلَمْ يَبْعَثْهُ اللَّهُ تَعَالَى لِيُعْصَى حَتَّى يُجْمِعَ النَّاسُ عَلَى طَاعَتِهِ‏,‏ بَلْ طَاعَتُهُ وَاجِبَةٌ قَبْلَ أَنْ يُطِيعَهُ أَحَدٌ‏.‏

وَقَبْلَ أَنْ يُخَالِفَهُ أَحَدٌ‏,‏ لَكِنْ سَاعَةَ يَأْمُرُ بِالأَمْرِ‏,‏ هَذَا مَا لاَ يَقُولُ مُسْلِمٌ خِلاَفَهُ‏,‏ حَتَّى نَقَضَ مَنْ نَقَضَ وَالسَّفَرُ‏:‏ هُوَ الْبُرُوزُ عَنْ مَحَلَّةِ الإِقَامَةِ‏,‏ وَكَذَلِكَ الضَّرْبُ فِي الأَرْضِ‏,‏ هَذَا الَّذِي لاَ يَقُولُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خُوطِبْنَا وَبِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ سِوَاهُ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ إلاَّ مَا صَحَّ النَّصُّ بِإِخْرَاجِهِ ثُمَّ وَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ خَرَجَ إلَى الْبَقِيعِ لِدَفْنِ الْمَوْتَى‏,‏ وَخَرَجَ إلَى الْفَضَاءِ لِلْغَائِطِ وَالنَّاسُ مَعَهُ فَلَمْ يَقْصُرُوا، وَلاَ أَفْطَرُوا‏,‏ وَلاَ أَفْطَرَ، وَلاَ قَصَرَ فَخَرَجَ هَذَا عَنْ أَنْ يُسَمَّى سَفَرًا‏,‏ وَعَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ‏,‏ فَلَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نُوقِعَ اسْمَ سَفَرٍ وَحُكْمَ سَفَرٍ إلاَّ عَلَى مَنْ سِمَاهُ مَنْ هُوَ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ سَفَرًا‏,‏ فَلَمْ نَجِدْ ذَلِكَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ‏.‏

فَقَدْ رُوِّينَا عن ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَوْ خَرَجْت مِيلاً لَقَصَرْت الصَّلاَةَ‏,‏ فَأَوْقَعْنَا اسْمَ السَّفَرِ وَحُكْمَ السَّفَرِ فِي الْفِطْرِ وَالْقَصْرِ عَلَى الْمِيلِ فَصَاعِدًا‏,‏ إذْ لَمْ نَجِدْ عَرَبِيًّا، وَلاَ شَرِيعِيًّا عَالِمًا أَوْقَعَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ اسْمَ سَفَرٍ‏,‏ وَهَذَا بُرْهَانٌ صَحِيحٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فإن قيل‏:‏ فَهَلاَّ جَعَلْتُمْ الثَّلاَثَةَ الأَمْيَالَ كَمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَذِي الْحُلَيْفَةِ حَدًّا لِلْقَصْرِ وَالْفِطْرِ‏,‏ إذْ لَمْ تَجِدُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَصَرَ، وَلاَ أَفْطَرَ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قلنا‏:‏ وَلاَ وَجَدْنَا عليه السلام مَنْعًا مِنْ الْفِطْرِ وَالْقَصْرِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ بَلْ وَجَدْنَاهُ عليه السلام أَوْجَبَ عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا‏,‏ وَجَعَلَ الصَّلاَةَ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ مُطْلَقًا‏.‏

فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ‏.‏

وَالْمِيلُ‏:‏ هُوَ مَا سُمِّيَ عِنْدَ الْعَرَبِ مِيلاً‏,‏ وَلاَ يَقَعُ ذَلِكَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ فإن قيل‏:‏ لَوْ كَانَ هَذَا مَا خَفِيَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَلاَ عَلَى عُثْمَانَ‏,‏ وَلاَ عَلَى مَنْ لاَ يَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ‏,‏ فَهُوَ مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى قلنا‏:‏ قَدْ عَرَفَهُ عُمَرُ‏,‏ وَابْنُ عُمَرَ‏,‏ وَأَنَسٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَالتَّابِعِينَ‏.‏

ثُمَّ نَعْكِسُ عَلَيْكُمْ قَوْلَكُمْ‏:‏ فَنَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ‏:‏ لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَقًّا مَا خَفِيَ عَلَى عُثْمَانَ‏,‏ وَلاَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ‏,‏ وَلاَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَلاَ عَلَى مَنْ لاَ يَعْرِفُ قَوْلَكُمْ‏,‏ كَمَالِكٍ‏,‏ وَاللَّيْثِ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيِّ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ‏,‏ مِمَّنْ لاَ يَقُولُ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَهُوَ مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى وَنَقُولُ لِلْمَالِكِيِّينَ‏:‏ لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ حَقًّا مَا خَفِيَ عَلَى كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ‏,‏ وَهُوَ مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى إلاَّ أَنَّ هَذَا الإِلْزَامَ لاَزِمٌ لِلطَّوَائِفِ الْمَذْكُورَةِ لاَ لَنَا‏;‏ لأَِنَّهُمْ يَرَوْنَ هَذَا الإِلْزَامَ حَقًّا‏,‏ وَمَنْ حَقَّقَ شَيْئًا لَزِمَهُ‏.‏

وأما نَحْنُ فَلاَ نُحَقِّقُ هَذَا الإِلْزَامَ الْفَاسِدَ بَلْ هُوَ عِنْدَنَا وَسْوَاسٌ وَضَلاَلٌ‏,‏ وَإِنَّمَا حَسْبُنَا اتِّبَاعُ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه السلام‏,‏ عَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ‏,‏ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ‏,‏ وَمَا مِنْ شَرِيعَةٍ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا إلاَّ قَدْ عَلِمَهَا بَعْضُ السَّلَفِ وَقَالَ بِهَا‏,‏ وَجَهِلَهَا بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ بِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَقَدْ مَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ‏:‏ إنَّ مِنْ الْعَجَبِ تَرْكَ سُؤَالِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذِهِ الْعَظِيمَةِ‏,‏ وَهِيَ حَدُّ السَّفَرِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ وَيُفْطَرُ فِيهِ فِي رَمَضَانَ فَقُلْنَا‏:‏ هَذَا أَعْظَمُ بُرْهَانٍ‏,‏ وَأَجَلُّ دَلِيلٍ‏,‏ وَأَوْضَحُ حُجَّةٍ لِكُلِّ مَنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٍ وَتَمْيِيزٍ‏:‏ عَلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ لِذَلِكَ أَصْلاً إلاَّ مَا سُمِّيَ سَفَرًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَهُمْ عليه السلام‏,‏ إذْ لَوْ كَانَ لِمِقْدَارِ السَّفَرِ حَدٌّ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا لَمَا أَغْفَلَ عليه السلام بَيَانَهُ أَلْبَتَّةَ‏,‏ وَلاَ أَغْفَلُوا هُمْ سُؤَالَهُ عليه السلام عَنْهُ‏,‏ وَلاَ اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ نَقْلِ تَحْدِيدِهِ فِي ذَلِكَ إلَيْنَا‏,‏ فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ جُمْلَةً‏,‏ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ‏,‏ وَلاَحَ بِذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيعَ مِنْهُمْ قَنَعُوا بِالنَّصِّ الْجَلِيِّ‏,‏ وَإِنَّ كُلَّ مَنْ حَدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا فَإِنَّمَا هُوَ وَهْمٌ أَخْطَأَ فِيهِ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَقَدْ اتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ وَهُوَ يُرِيدُ‏:‏ إمَّا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وأما أَرْبَعَةَ بُرُدٍ‏:‏ أَنَّهُ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ‏.‏

فَنَسْأَلُهُمْ‏:‏ أَهُوَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ أَمْ لَيْسَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ بَعْدُ‏,‏ لَكِنَّهُ يُرِيدُ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ بَعْدُ‏,‏ وَلاَ يَدْرِي أَيَبْلُغُهُ أَمْ لاَ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ الأَمْرَيْنِ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَيْسَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ بَعْدُ‏,‏ وَلَكِنَّهُ يُرِيدُهُ‏,‏ وَلاَ يَدْرِي أَيَبْلُغُهُ أَمْ لاَ‏,‏ أَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ أَبَاحُوا لَهُ الْقَصْرَ‏,‏ وَهُوَ فِي غَيْرِ سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ‏,‏ مِنْ أَجْلِ نِيَّتِهِ فِي إرَادَتِهِ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ‏,‏ وَلَزِمَهُمْ أَنْ يُبِيحُوا لَهُ الْقَصْرَ فِي مَنْزِلِهِ وَخَارِجِ مَنْزِلِهِ بَيْنَ بُيُوتِ قَرْيَتِهِ‏,‏ مِنْ أَجْلِ نِيَّتِهِ فِي إرَادَتِهِ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ‏:‏ عَطَاءٌ‏,‏ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ‏,‏ وَغَيْرُهُمَا‏,‏ إلاَّ أَنَّ هَؤُلاَءِ يُقِرُّونَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي سَفَرٍ‏,‏ ثُمَّ يَأْمُرُونَهُ بِالْقَصْرِ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَحِلُّ أَصْلاً وَإِنْ قَالُوا‏:‏ بَلْ هُوَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ هَدَمُوا كُلَّ مَا بَنَوْا‏,‏ وَأَبْطَلُوا أَصْلَهُمْ وَمَذْهَبَهُمْ‏,‏ وَأَقَرُّوا بِأَنَّ قَلِيلَ السَّفَرِ وَكَثِيرَهُ‏:‏ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ‏,‏ لأَِنَّهُ قَدْ يَنْصَرِفُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْمِقْدَارَ الَّذِي فِيهِ الْقَصْرُ عِنْدَهُمْ وأما نَحْنُ فَإِنَّ مَا دُونَ الْمِيلِ مِنْ آخِرِ بُيُوتِ قَرْيَتِهِ لَهُ حُكْمُ الْحَضَرِ‏,‏ فَلاَ يُقْصَرُ فِيهِ، وَلاَ يُفْطَرُ‏,‏ فَإِذَا بَلَغَ الْمِيلَ فَحِينَئِذٍ صَارَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ وَيُفْطَرُ فِيهِ‏,‏ فَمِنْ حِينَئِذٍ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ‏.‏

وَكَذَلِكَ إذَا رَجَعَ فَكَانَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ‏,‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي سَفَرٍ يَقْصُرُ فِيهِ بَعْدُ ‏.‏

514 - مَسْأَلَةٌ

وَسَوَاءٌ سَافَرَ فِي بَرٍّ‏,‏ أَوْ بَحْرٍ‏,‏ أَوْ نَهْرٍ‏,‏ كُلُّ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا‏,‏ لأَِنَّهُ سَفَرٌ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

515 - مَسْأَلَةٌ

فَإِنْ سَافَرَ الْمَرْءُ فِي جِهَادٍ‏,‏ أَوْ حَجٍّ‏,‏ أَوْ عُمْرَةٍ‏,‏ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الأَسْفَارِ‏:‏ فَأَقَامَ فِي مَكَان وَاحِدٍ عِشْرِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا‏:‏ قَصَرَ‏,‏ وَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ‏:‏ أَتَمَّ وَلَوْ فِي صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ ثَبَتْنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ سَفَرَ الْجِهَادِ‏,‏ وَسَفَرَ الْحَجِّ‏,‏ وَسَفَرَ الْعُمْرَةِ‏,‏ وَسَفَرَ الطَّاعَةِ‏,‏ وَسَفَرَ الْمَعْصِيَةِ‏,‏ وَسَفَرَ مَا لَيْسَ طَاعَةً، وَلاَ مَعْصِيَةً‏:‏ كُلُّ ذَلِكَ سَفَرٌ‏,‏ حُكْمُهُ كُلُّهُ فِي الْقَصْرِ وَاحِدٌ

وَإِنَّ مَنْ أَقَامَ فِي شَيْءٍ عِشْرِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَأَقَلَّ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ سَوَاءٌ نَوَى إقَامَتَهَا أَوْ لَمْ يَنْوِ إقَامَتَهَا‏,‏ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ إقَامَةَ مُدَّةِ صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ‏:‏ أَتَمَّ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ هَذَا فِي الصَّلاَةِ خَاصَّةً وأما فِي الصِّيَامِ فِي رَمَضَانَ فَبِخِلاَفِ ذَلِكَ‏,‏ بَلْ إنْ أَقَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي خِلاَلِ السَّفَرِ لَمْ يُسَافِرْ فِيهِمَا‏:‏ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ فِيمَا يَسْتَأْنِفُ وَكَذَلِكَ إنْ نَزَلَ وَنَوَى إقَامَةَ لَيْلَةٍ وَالْغَدِ‏,‏ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ الصِّيَامَ وَيَصُومَ فَإِنْ وَرَدَ عَلَى ضَيْعَةٍ لَهُ‏,‏ أَوْ مَاشِيَةٍ‏,‏ أَوْ دَارٍ‏,‏ فَنَزَلَ هُنَالِكَ‏:‏ أَتَمَّ‏,‏ فَإِذَا رَحَلَ مِيلاً فَصَاعِدًا‏:‏ قَصَرَ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا‏:‏ فَرُوِّينَا عن ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَجْمَعَ عَلَى إقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا‏:‏ أَتَمَّ الصَّلاَةَ‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، حدثنا عَاصِمٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ بِمَكَّةَ سَبْعَ عَشَرَةَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ ‏"‏‏.‏

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ أَقَامَ سَبْعَ عَشَرَةَ بِمَكَّةَ‏:‏ قَصَرَ‏,‏ وَمَنْ أَقَامَ فَزَادَ‏:‏ أَتَمَّ وَرُوِيَ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ‏:‏ إذَا أَجْمَعَ إقَامَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً‏:‏ أَتَمَّ‏,‏ فَإِنْ نَوَى أَقَلَّ‏:‏ قَصَرَ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَوْلٌ آخَرُ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إذَا أَجْمَعْتَ إقَامَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً فَأَتِمَّ الصَّلاَةَ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ إذَا أَقَمْت عَشْرًا فَأَتِمَّ الصَّلاَةَ‏.‏

وَبِهِ يَأْخُذُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ‏,‏ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ‏,‏ وَحُمَيْدُ الرُّؤَاسِيُّ صَاحِبُهُ‏.‏

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ‏:‏ إذَا أَقَمْت أَرْبَعًا فَصَلِّ أَرْبَعًا‏.‏

وَبِهِ يَأْخُذُ مَالِكٌ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏,‏ وَاللَّيْثُ‏,‏ إلاَّ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ أَنْ يَنْوِيَ إقَامَةَ أَرْبَعٍ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا‏:‏ قَصَرَ‏,‏ وَإِنْ بَقِيَ حَوْلاً وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ‏:‏ إذَا أَقَمْت ثَلاَثًا فَأَتِمَّ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ إذَا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَ عَشَرَةَ أَتَمَّ الصَّلاَةَ‏.‏

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَوْلٌ آخَرُ‏:‏ إذَا وَضَعْت رَحْلَك بِأَرْضٍ فَأَتِمَّ الصَّلاَةَ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ‏:‏ كُنَّا مَعَ مَسْرُوقٍ بِالسِّلْسِلَةِ سَنَتَيْنِ وَهُوَ عَامِلٌ عَلَيْهَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْصَرَفَ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ الضُّبَعِيِّ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ الْعَنَزِيِّ قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ إنِّي أُقِيمُ بِالْمَدِينَةِ حَوْلاً لاَ أَشَدُّ عَلَى سَيْرٍ قَالَ‏:‏ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِع ٍعن ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ أَقَامَ بِأَذَرْبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَرْتَجَ عَلَيْهِمْ الثَّلْجُ‏,‏ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ الْوَالِي لاَ يَنْوِي رَحِيلاً قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً بِلاَ شَكٍّ‏,‏ وَكَذَلِكَ مَنْ أَرْتَجَ عَلَيْهِ الثَّلْجُ فَقَدْ أَيْقَنَ أَنَّهُ لاَ يَنْحَلُّ إلَى أَوَّلِ الصَّيْفِ وَقَدْ أَمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُقِيمٌ سَنَةً لاَ يَنْوِي سَيْرًا‏:‏ بِالْقَصْرِ وَعَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ‏:‏ يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى مَنْزِلِهِ‏,‏ إلاَّ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرًا مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ احْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ أَكْثَرُ مَا قِيلَ‏,‏ وَأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ إقَامَةَ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ أَتَمَّ‏,‏ وَلاَ يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْقَصْرِ إلاَّ بِإِجْمَاعٍ قال علي‏:‏ وهذا بَاطِلٌ‏,‏ قَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ يَقْصُرُ حِينَ يَنْوِيَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا‏,‏ وَقَدْ اُخْتُلِفَ عن ابْنِ عُمَرَ نَفْسِهِ‏.‏

وَخَالَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْرَدْنَا وَغَيْرُهُ فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ وَاحْتَجَّ لِمَالِكٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ مُقَلِّدُوهُمَا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ الْعَلاَءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ يَمْكُثُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ نُسُكِهِ ثَلاَثًا‏.‏

قَالُوا‏:‏ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُهَاجِرِينَ الإِقَامَةَ بِمَكَّةَ الَّتِي كَانَتْ أَوْطَانَهُمْ فَأُخْرِجُوا عَنْهَا فِي اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَلْقَوْا رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ غُرَبَاءَ عَنْ أَوْطَانِهِمْ لِوَجْهِهِ عَزَّ وَجَلَّ‏,‏ ثُمَّ أَبَاحَ لَهُمْ الْمُقَامَ بِهَا ثَلاَثًا بَعْدَ تَمَامِ النُّسُكِ‏.‏

قَالُوا‏:‏ فَكَانَتْ الثَّلاَثُ خَارِجَةً عَنْ الإِقَامَةِ الْمَكْرُوهَةِ لَهُمْ‏,‏ وَكَانَ مَا زَادَ عَنْهَا دَاخِلاً فِي الإِقَامَةِ الْمَكْرُوهَةِ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلاً وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏;‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَصٌّ، وَلاَ إشَارَةٌ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي إذَا أَقَامَهَا الْمُسَافِرُ أَتَمَّ‏,‏ وَإِنَّمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمُهَاجِرِ‏,‏ فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ يُقَاسَ الْمُسَافِرُ يُقِيمُ عَلَى الْمُهَاجِرِ يُقِيمُ هَذَا لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا‏,‏ وَكَيْفَ وَكُلُّهُ بَاطِلٌ‏,‏ وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مُبَاحٌ لَهُ أَنْ يُقِيمَ ثَلاَثًا وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ‏,‏ لاَ كَرَاهِيَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ وأما الْمُهَاجِرُ فَمَكْرُوهٌ لَهُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ نُسُكِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ‏,‏ فَأَيُّ نِسْبَةٍ بَيْنَ إقَامَةٍ مَكْرُوهَةٍ وَإِقَامَةٍ مُبَاحَةٍ لَوْ أَنْصَفُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ لِلْمُهَاجِرِ دَاخِلٌ عِنْدَهُمْ فِي حُكْمِ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا لاَ مُقِيمًا‏,‏ وَمَا زَادَ عَلَى الثَّلاَثَةِ لِلْمُسَافِرِ فَإِقَامَةٌ صَحِيحَةٌ‏,‏ وَهَذَا مَانِعٌ مِنْ أَنْ يُقَاسَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ‏,‏ وَلَوْ قِيسَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ لَوَجَبَ أَنْ يَقْصُرَ الْمُسَافِرُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلاَثِ‏,‏ لاَ أَنْ يُتِمَّ‏,‏ بِخِلاَفِ قَوْلِهِمْ وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ إقَامَةَ قَدْرِ صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الثَّلاَثَةِ مَكْرُوهَةٌ‏,‏ فَيَنْبَغِي عِنْدَهُمْ إذَا قَاسُوا عَلَيْهِ الْمُسَافِرَ أَنْ يُتِمَّ وَلَوْ نَوَى زِيَادَةَ صَلاَةٍ عَلَى الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ‏.‏

وَهَكَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ‏,‏ وَعَرِيَتْ الأَقْوَالُ كُلُّهَا عَنْ حُجَّةٍ‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ نُبَيِّنَ الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ أَمَّا الإِقَامَةُ فِي الْجِهَادِ‏,‏ وَالْحَجِّ‏,‏ وَالْعُمْرَةِ‏,‏ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الْقَصْرَ إلاَّ مَعَ الضَّرْبِ فِي الأَرْضِ‏,‏ وَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقَصْرَ إلاَّ مَعَ السَّفَرِ‏,‏ لاَ مَعَ الإِقَامَةِ‏,‏ وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ حَالَ السَّفَرِ غَيْرُ حَالِ الإِقَامَةِ‏,‏ وَأَنَّ السَّفَرَ إنَّمَا هُوَ التَّنَقُّلُ فِي غَيْرِ دَارِ الإِقَامَةِ، وَأَنَّ الإِقَامَةَ هِيَ السُّكُونُ وَتَرْكُ النُّقْلَةِ وَالتَّنَقُّلِ فِي دَارِ الإِقَامَةِ‏,‏ هَذَا حُكْمُ الشَّرِيعَةِ وَالطَّبِيعَةِ مَعًا‏.‏

فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمُقِيمُ فِي مَكَان وَاحِدٍ مُقِيمٌ غَيْرُ مُسَافِرٍ بِلاَ شَكٍّ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ حَالِ الإِقَامَةِ وَحُكْمِهَا فِي الصِّيَامِ وَالإِتْمَامِ إلاَّ بِنَصٍّ‏.‏

وَقَدْ صَحَّ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ فِي حَالِ سَفَرِهِ فَأَقَامَ بَاقِيَ نَهَارِهِ وَلَيْلَتِهِ‏,‏ ثُمَّ رَحَلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي‏,‏ وَأَنَّهُ عليه السلام قَصَرَ فِي بَاقِي يَوْمِهِ ذَلِكَ وَفِي لَيْلَتِهِ الَّتِي بَيْنَ يَوْمَيْ نُقْلَتِهِ‏,‏ فَخَرَجَتْ هَذِهِ الإِقَامَةُ عَنْ حُكْمِ الإِقَامَةِ فِي الإِتْمَامِ‏,‏ وَالصِّيَامِ‏,‏ وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَكَانَ مُقِيمُ سَاعَةٍ لَهُ حُكْمُ الإِقَامَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ وَرَدَ عَلَى ضَيْعَةٍ لَهُ‏,‏ أَوْ مَاشِيَةٍ‏,‏ أَوْ عَقَارٍ فَنَزَلَ هُنَالِكَ فَهُوَ مُقِيمٌ‏,‏ فَلَهُ حُكْمُ الإِقَامَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏,‏ إذْ لَمْ نَجِدْ نَصًّا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ يَنْقُلُهَا عَنْ حُكْمِ الإِقَامَةِ‏.‏

وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ‏,‏ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ‏.‏

وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ أَقَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ يَرْحَلْ فِيهِمَا فَقَصَرَ وَأَفْطَرَ إلاَّ فِي الْحَجِّ‏,‏ وَالْعُمْرَةِ‏,‏ وَالْجِهَادِ فَقَطْ‏,‏ فَوَجَبَ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مَنْ أَقَامَ فِي خِلاَلِ سَفَرِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ يَظْعَنْ فِي أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يُتِمُّ‏,‏ وَيَصُومُ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ مَشَى لَيْلاً وَيَنْزِلُ نَهَارًا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ بَاقِيَ لَيْلَتِهِ وَيَوْمِهِ الَّذِي بَيْنَ لَيْلَتَيْ حَرَكَتِهِ‏.‏

وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ‏.‏

وَنَسْأَلُ مَنْ أَبَى هَذَا عَنْ مَاشٍ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ عِنْدَهُمْ نَوَى إقَامَةً وَهُوَ سَائِرٌ لاَ يَنْزِلُ، وَلاَ يَثْبُتُ‏:‏ اُضْطُرَّ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضَهُ رَاكِبًا نَاهِضًا أَوْ يَنْزِلَ لِصَلاَةِ فَرْضِهِ ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى الْمَشْيِ‏:‏ أَيَقْصُرُ أَوْ يُتِمُّ فَمِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ يَقْصُرُ‏:‏ فَصَحَّ أَنَّ السَّفَرَ‏:‏ هُوَ الْمَشْيُ‏.‏

ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ نَوَى إقَامَةً وَهُوَ نَازِلٌ غَيْرُ مَاشٍ‏:‏ أَيُتِمُّ أَمْ يَقْصُرُ فَمِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ يُتِمُّ‏,‏ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الإِقَامَةَ هِيَ السُّكُونُ لاَ الْمَشْيُ مُتَنَقِّلاً‏.‏

وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وأما الْجِهَادُ‏,‏ وَالْحَجُّ‏:‏ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ قَالَ

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَبُوكِ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلاَةَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ ثِقَةٌ‏,‏ وَبَاقِي رُوَاةِ الْخَبَرِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عنهم وَهَذَا أَكْثَرُ مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام فِي إقَامَتِهِ بِتَبُوك‏,‏ فَخَرَجَ هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ الإِقَامَةِ عَنْ سَائِرِ الأَوْقَاتِ بِهَذَا الْخَبَرِ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏,‏ وَمَالِكٌ‏:‏ يَقْصُرُ مَا دَامَ مُقِيمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا خَطَأٌ‏,‏ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام الصَّلاَةَ رَكْعَتَيْنِ إلاَّ فِي السَّفَرِ‏,‏ وَأَنَّ الإِقَامَةَ خِلاَفُ السَّفَرِ لِمَا ذَكَرْنَا‏.‏

وقال الشافعي‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏:‏ كَقَوْلِنَا فِي الْجِهَادِ‏.‏

وَرُوِّينَا عن ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ قَوْلِنَا نَصًّا إلاَّ أَنَّهُ خَالَفَ فِي الْمُدَّةِ‏.‏

وأما الْحَجُّ‏,‏ وَالْعُمْرَةُ‏:‏ فَلِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ‏,‏ قَالَ‏:‏ كَمْ أَقَامَ بِمَكَّةَ قَالَ‏:‏ عَشْرًا‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ

حدثنا وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ‏:‏ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَإِذْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ‏,‏ فَبِالضَّرُورَةِ نَعْلَمُ‏:‏ أَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الرَّابِعَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ‏,‏ وَالثَّانِي وَهُوَ الْخَامِسُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ‏,‏ وَالثَّالِثُ وَهُوَ السَّادِسُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ‏,‏ وَالرَّابِعُ وَهُوَ السَّابِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ‏.‏

وَأَنَّهُ خَرَجَ عليه السلام إلَى مِنًى قَبْلَ صَلاَةِ الظُّهْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ‏,‏ هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ‏,‏ فَتَمَّتْ لَهُ بِمَكَّةَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَأَرْبَعُ لَيَالٍ كَمَلاً‏,‏ أَقَامَهَا عليه السلام نَاوِيًا لِلإِقَامَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ بِهَا بِلاَ شَكٍّ‏.‏

ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ‏:‏ إنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ‏;‏ لأَِنَّهُ عليه السلام نَوَى بِلاَ شَكٍّ إقَامَةَ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَمْ يُتِمَّ‏.‏

ثُمَّ كَانَ عليه السلام بِمِنًى الْيَوْمَ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ‏,‏ وَبَاتَ بِهَا لَيْلَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ‏.‏

ثُمَّ أَتَى إلَى عَرَفَةَ بِلاَ شَكٍّ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ‏,‏ فَبَقِيَ هُنَالِكَ إلَى أَوَّلِ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ‏,‏ ثُمَّ نَهَضَ إلَى مُزْدَلِفَةَ فَبَاتَ بِهَا اللَّيْلَةَ الْعَاشِرَةَ‏.‏

ثُمَّ نَهَضَ فِي صَبَاحِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ إلَى مِنًى‏,‏ فَكَانَ بِهَا‏,‏ وَنَهَضَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ طَوَافَ الإِفَاضَةِ إمَّا فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وأما فِي اللَّيْلَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ‏,‏ بِلاَ شَكٍّ فِي أَحَدِ الأَمْرَيْنِ‏.‏

ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَأَقَامَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ‏,‏ وَدَفَعَ مِنْهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ‏,‏ وَكَانَتْ إقَامَتُهُ عليه السلام بِمِنًى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ نِصْفِ يَوْمٍ‏.‏

ثُمَّ أَتَى إلَى مَكَّةَ فَبَاتَ اللَّيْلَةَ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ بِالأَبْطَحِ‏,‏ وَطَافَ بِهَا طَوَافَ الْوَدَاعِ‏,‏ ثُمَّ نَهَضَ فِي آخِرِ لَيْلَتِهِ تِلْكَ إلَى الْمَدِينَةِ‏,‏ فَكَمُلَ لَهُ عليه السلام بِمَكَّةَ‏,‏ وَمِنًى‏,‏ وَعَرَفَةَ‏,‏ وَمُزْدَلِفَةَ‏:‏ عَشْرُ لَيَالٍ كَمَلاً كَمَا قَالَ أَنَسٌ‏.‏

فَصَحَّ قَوْلُنَا‏,‏ وَكَانَ مَعَهُ عليه السلام مُتَمَتِّعُونَ‏,‏ وَكَانَ هُوَ عليه السلام قَارِنًا‏.‏

فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ‏,‏ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ‏,‏ فَخَرَجَتْ هَذِهِ الإِقَامَةُ بِهَذَا الأَثَرِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ حَيْثُ أَقَامَ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الإِقَامَاتِ‏,‏ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ‏.‏

فإن قيل‏:‏ أَلَيْسَ قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةً‏:‏ فِي بَعْضِهَا أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَفِي بَعْضِهَا ثَمَانِ عَشْرَةَ وَفِي بَعْضِهَا سَبْعَ عَشْرَةَ‏.‏

وَفِي بَعْضِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ قلنا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي عَامِ الْفَتْحِ‏,‏ وَكَانَ عليه السلام فِي جِهَادٍ‏,‏ وَفِي دَارِ حَرْبٍ‏,‏ لأَِنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ‏:‏ كَصَفْوَانَ وَغَيْرِهِمْ لَهُمْ مُدَّةُ مُوَادَعَةٍ لَمْ تَنْقَضِ بَعْدُ‏.‏

وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ فِي هَوَازِنَ قَدْ جُمِعَتْ لَهُ الْعَسَاكِرُ بِحُنَيْنٍ عَلَى بِضْعَةَ عَشَرَ مِيلاً‏.‏

وَخَالِدُ بْنُ سُفْيَانَ الْهُذَلِيُّ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ يَجْمَعُ هُذَيْلاً لِحَرْبِهِ‏.‏

وَالْكُفَّارُ مُحِيطُونَ بِهِ مُحَارِبُونَ لَهُ‏:‏ فَالْقَصْرُ وَاجِبٌ بَعْدُ فِي أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الإِقَامَةِ‏.‏

وَهُوَ عليه السلام يَتَرَدَّدُ مِنْ مَكَّةَ إلَى حُنَيْنٍ‏.‏

ثُمَّ إلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا‏,‏ ثُمَّ إلَى الطَّائِفِ‏.‏

وَهُوَ عليه السلام يُوَجِّهُ السَّرَايَا إلَى مَنْ حَوْلَ مَكَّةَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ‏,‏ كَبَنِي كِنَانَةَ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

فَهَذَا قَوْلُنَا‏,‏ وَمَا دَخَلَ عليه السلام مَكَّةَ قَطُّ مِنْ حِينِ خَرَجَ عَنْهَا مُهَاجِرًا إلاَّ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ‏,‏ أَقَامَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ‏.‏

ثُمَّ حِينَ فَتَحَهَا كَمَا ذَكَرْنَا مُحَارِبًا‏.‏

ثُمَّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ‏:‏ أَقَامَ بِهَا كَمَا وَصَفْنَا‏,‏ وَلاَ مَزِيدَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وأما قَوْلُنَا‏:‏ إنَّ هَذِهِ الإِقَامَةَ لاَ تَكُونُ إلاَّ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي أَوَّلِ دَارِ الْحَرْبِ وَبَعْدَ الإِحْرَامِ‏:‏ فَلاَِنَّ الْقَاصِدَ إلَى الْجِهَادِ مَا دَامَ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ فَلَيْسَ فِي حَالِ جِهَادٍ‏,‏ وَلَكِنَّهُ مُرِيدٌ لِلْجِهَادِ وَقَاصِدٌ إلَيْهِ‏,‏ وَإِنَّمَا هُوَ مُسَافِرٌ كَسَائِرِ الْمُسَافِرِينَ‏,‏ إلاَّ أَجْرَ نِيَّتِهِ فَقَطْ‏,‏ وَهُوَ مَا لَمْ يُحْرِمْ فَلَيْسَ بَعْدُ فِي عَمَلِ حَجٍّ، وَلاَ عَمَلِ عُمْرَةٍ‏,‏ لَكِنَّهُ مُرِيدٌ لاََنْ يَحُجَّ‏,‏ أَوْ لاََنْ يَعْتَمِرَ‏,‏ فَهُوَ كَسَائِرِ مَنْ يُسَافِرُ، وَلاَ فَرْقَ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏,‏ لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ إذْ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَيَّامًا‏:‏ إنِّي إنَّمَا قَصَرْت أَرْبَعًا‏;‏ لاَِنِّي فِي حَجٍّ‏,‏ وَلاَ لاَِنِّي فِي مَكَّةَ‏.‏

، وَلاَ قَالَ إذْ أَقَامَ بِتَبُوكِ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ‏:‏ إنِّي إنَّمَا قَصَرْت لاَِنِّي فِي جِهَادٍ‏.‏

فَمَنْ قَالَ‏:‏ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَقَدْ قَوَّلَهُ عليه السلام مَا لَمْ يَقُلْ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَحِلُّ‏.‏

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَوْلاَ مُقَامُ النَّبِيِّ عليه السلام فِي تَبُوكِ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ‏,‏ وَبِمَكَّةَ دُونَ ذَلِكَ يَقْصُرُ‏:‏ لَكَانَ لاَ يَجُوزُ الْقَصْرُ إلاَّ فِي يَوْمٍ يَكُونُ فِيهِ الْمَرْءُ مُسَافِرًا‏,‏ وَلَكَانَ مُقِيمُ يَوْمٍ يَلْزَمُهُ الإِتْمَامُ‏.‏

لَكِنْ لَمَّا أَقَامَ عليه السلام عِشْرِينَ يَوْمًا بِتَبُوكِ يَقْصُرُ صَحَّ بِذَلِكَ أَنَّ عِشْرِينَ يَوْمًا إذَا أَقَامَهَا الْمُسَافِرُ فَلَهُ فِيهَا حُكْمُ السَّفَرِ‏,‏ فَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ أَوْ نَوَى إقَامَةً أَكْثَرَ فَلاَ بُرْهَانَ يُخْرِجُ ذَلِكَ عَنْ حُكْمِ الإِقَامَةِ أَصْلاً، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ خَصَّ الإِقَامَةَ فِي الْجِهَادِ بِعِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ فِيهَا‏,‏ وَبَيْنَ مَنْ خَصَّ بِذَلِكَ بِتَبُوكَ دُونَ سَائِرِ الأَمَاكِنِ‏,‏ وَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ‏,‏ إذْ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ‏;‏ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ أَصْلاً‏,‏ وَالْقِيَاسُ لاَ يَجُوزُ‏,‏ فَمَنْ نَوَى إقَامَةَ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَصُومُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وقال أبو حنيفة‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ إنْ أَقَامَ فِي مَكَان يَنْوِي خُرُوجًا غَدًا أَوْ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ وَلَوْ أَقَامَ كَذَلِكَ أَعْوَامًا‏.‏

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى خُرُوجًا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيَقْصُرُ‏.‏

وقال مالك‏:‏ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيَقْصُرُ‏,‏ وَإِنْ نَوَى‏:‏ أَخْرُجُ الْيَوْمَ‏,‏ أَخْرُجُ غَدًا‏:‏ قَصَرَ‏,‏ وَلَوْ بَقِيَ كَذَلِكَ أَعْوَامًا قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَمِنْ الْعَجَبِ الْعَجِيبِ إسْقَاطُ أَبِي حَنِيفَةَ النِّيَّةَ حِينَ افْتَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْوُضُوءِ لِلصَّلاَةِ‏,‏ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ‏,‏ وَالْحَيْضِ وَبَقَائِهِ فِي رَمَضَانَ يَنْوِي الْفِطْرَ إلَى قَبْلِ زَوَالِ الشَّمْسِ‏,‏ وَيُجِيزُ كُلَّ ذَلِكَ بِلاَ نِيَّةٍ‏:‏ ثُمَّ يُوجِبُ النِّيَّةَ فَرْضًا فِي الإِقَامَةِ‏,‏ حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ أَوْجَبَهَا بُرْهَانٌ نَظَرِيٌّ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا‏:‏ أَنَّ الْحُكْمَ لِلإِقَامَةِ لِلْمُدَدِ الَّتِي ذَكَرْنَا كَانَتْ هُنَالِكَ نِيَّةٌ لاِِقَامَةٍ أَوْ لَمْ تَكُنْ فَهُوَ أَنَّ النِّيَّاتِ إنَّمَا تَجِبُ فَرْضًا فِي الأَعْمَالِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُؤَدَّى بِلاَ نِيَّةٍ وأما عَمَلٌ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم فَلاَ مَعْنَى لِلنِّيَّةِ فِيهِ‏,‏ إذْ لَمْ يُوجِبْهَا هُنَالِكَ قُرْآنٌ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ‏,‏ وَلاَ نَظَرٌ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ‏.‏

وَالإِقَامَةُ لَيْسَتْ عَمَلاً مَأْمُورًا بِهِ‏,‏ وَكَذَلِكَ السَّفَرُ‏,‏ وَإِنَّمَا هُمَا حَالاَنِ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا الْعَمَلَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِمَا‏,‏ فَذَلِكَ الْعَمَلُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ‏,‏ لاَ الْحَالُ‏.‏

وَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا‏:‏ أَنَّ السَّفَرَ لاَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ‏.‏

وَلَوْ أَنَّ امْرَأً خَرَجَ لاَ يُرِيدُ سَفَرًا فَدَفَعَتْهُ ضَرُورَاتٌ لَمْ يَقْصِدْ لَهَا حَتَّى صَارَ مِنْ مَنْزِلِهِ عَلَى ثَلاَثِ لَيَالٍ‏,‏ أَوْ سِيرَ بِهِ مَأْسُورًا أَوْ مُكْرَهًا مَحْمُولاً مُجْبَرًا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ‏.‏

وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِيمَنْ أُقِيمَ بِهِ كُرْهًا فَطَالَتْ بِهِ مُدَّتُهُ فَإِنَّهُ يُتِمُّ وَيَصُومُ‏,‏ وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِيمَنْ اُضْطُرَّ لِلْخَوْفِ إلَى الصَّلاَةِ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا‏,‏ فَذَلِكَ الْخَوْفُ وَتِلْكَ الضَّرُورَةُ لاَ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى نِيَّةٍ‏.‏

وَكَذَلِكَ النَّوْمُ لاَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ‏,‏ وَلَهُ حُكْمٌ فِي إسْقَاطِ الْوُضُوءِ وَإِيجَابِ تَجْدِيدِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

وَكَذَلِكَ الإِجْنَابُ لاَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ‏,‏ وَهُوَ يُوجِبُ الْغُسْلَ‏.‏

وَكَذَلِكَ الْحَدَثُ لاَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ‏,‏ وَهُوَ يُوجِبُ حُكْمَ الْوُضُوءِ وَالاِسْتِنْجَاءِ‏,‏ فَكُلُّ عَمَلٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ لَكِنْ أُمِرَ فِيهِ بِأَعْمَالٍ مَوْصُوفَةٍ فَهُوَ لاَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ‏.‏

وَمِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الأَعْمَالِ هِيَ الإِقَامَةُ وَالسَّفَرُ‏,‏ فَلاَ يُحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى نِيَّةٍ أَصْلاً‏,‏ لَكِنْ مَتَى وُجِدَا وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحُكْمُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ، وَلاَ مَزِيدَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِنَا‏.‏

516 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ ابْتَدَأَ صَلاَةً وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ نَوَى فِيهَا السَّفَرَ‏,‏ أَوْ ابْتَدَأَهَا وَهُوَ مُسَافِرٌ ثُمَّ نَوَى فِيهَا أَنْ يُقِيمَ‏:‏ أَتَمَّ فِي كِلاَ الْحَالَيْنِ

بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الإِقَامَةَ غَيْرُ السَّفَرِ وَأَنَّهُ لاَ يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الإِقَامَةِ مِمَّا هُوَ إقَامَةٌ إلاَّ مَا أَخْرَجَهُ نَصٌّ‏.‏

فَهُوَ إذَا نَوَى فِي الصَّلاَةِ سَفَرًا فَلَمْ يُسَافِرْ بَعْدُ‏,‏ بَلْ هُوَ مُقِيمٌ‏,‏ فَلَهُ حُكْمُ الإِقَامَةِ‏.‏

وَإِذَا افْتَتَحَهَا وَهُوَ مُسَافِرٌ فَنَوَى فِيهَا الإِقَامَةَ فَهُوَ مُقِيمٌ بَعْدُ لاَ مُسَافِرٌ‏,‏ فَلَهُ أَيْضًا حُكْمُ الإِقَامَةِ‏.‏

إذْ إنَّمَا كَانَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ بِالنَّصِّ الْمُخْرِجِ لِتِلْكَ الْحَالِ عَنْ حُكْمِ الإِقَامَةِ‏,‏ فَإِذَا بَطَلَتْ تِلْكَ الْحَالُ بِبُطْلاَنِ نِيَّتِهِ صَارَ فِي حَالِ الإِقَامَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

517 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ ذَكَرَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ صَلاَةً نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فِي إقَامَتِهِ صَلاَّهَا رَكْعَتَيْنِ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ فَإِنْ ذَكَرَ فِي الْحَضَرِ صَلاَةً نَسِيَهَا فِي سَفَرٍ صَلاَّهَا أَرْبَعًا، وَلاَ بُدَّ

وقال الشافعي‏:‏ يُصَلِّيهَا فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ‏:‏ أَرْبَعًا وقال مالك‏:‏ يُصَلِّيهَا إذَا نَسِيَهَا فِي السَّفَرِ فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ‏:‏ رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا نَسِيَهَا فِي الْحَضَرِ فَذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ صَلاَّهَا‏:‏ أَرْبَعًا‏.‏

حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ‏:‏ أَنَّ الأَصْلَ الإِتْمَامُ‏,‏ وَإِنَّمَا الْقَصْرُ رُخْصَةٌ قال علي‏:‏ وهذا خَطَأٌ‏,‏ وَدَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ‏,‏ وَلَوْ أَرَدْنَا مُعَارَضَتَهُ لَقُلْنَا‏:‏ بَلْ الأَصْلُ الْقَصْرُ‏,‏ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها ‏"‏ فُرِضَتْ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ فَزِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ عَلَى الْحَالَةِ الآُولَى ‏"‏‏.‏

وَلَكِنَّا لاَ نَرْضَى بِالشَّغَبِ‏,‏ بَلْ نَقُولُ‏:‏ إنَّ صَلاَةَ السَّفَرِ أَصْلٌ‏,‏ وَصَلاَةَ الإِقَامَةِ أَصْلٌ‏,‏ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا فَرْعًا لِلآُخْرَى‏,‏ فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ‏.‏

وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِأَنَّ الصَّلاَةَ إنَّمَا تُؤَدَّى كَمَا لَزِمَتْ إذَا فَاتَتْ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا أَيْضًا دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ‏,‏ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ خَطَأٌ‏,‏ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يُخَالِفُ هَذَا الأَصْلَ وَيَهْدِمُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ‏,‏ إلاَّ هُنَا فَإِنَّهُ تَنَاقُضٌ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَقُولُ‏:‏ مَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ‏.‏

وَمَنْ فَاتَتْهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ صَلَوَاتٌ كَانَ حُكْمُهَا لَوْ صَلاَّهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مُومِئًا فَذَكَرَهَا فِي صِحَّتِهِ‏:‏ فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ قَائِمًا‏.‏

وَمَنْ ذَكَرَ فِي حَالِ الْمَرَضِ الْمَذْكُورِ صَلاَةً فَاتَتْهُ فِي صِحَّتِهِ كَانَ حُكْمُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا قَائِمًا فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا‏.‏

وَمَنْ صَلَّى فِي حَالِ خَوْفٍ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا صَلاَةً نَسِيَهَا فِي حَالِ الأَمْنِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا‏.‏

وَمَنْ ذَكَرَ فِي حَالِ الأَمْنِ صَلاَةً نَسِيَهَا فِي حَالِ الْخَوْفِ حَيْثُ لَوْ صَلاَّهَا لَصَلاَّهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ نَازِلاً قَائِمًا‏.‏

وَمَنْ نَسِيَ صَلاَةً لَوْ صَلاَّهَا فِي وَقْتِهَا لَمْ يُصَلِّهَا إلاَّ مُتَوَضِّئًا فَذَكَرَهَا فِي حَالِ تَيَمُّمٍ‏:‏ صَلاَّهَا مُتَيَمِّمًا‏.‏

وَلَوْ نَسِيَ صَلاَةً لَوْ صَلاَّهَا فِي وَقْتِهَا لَمْ يُصَلِّهَا إلاَّ مُتَيَمِّمًا فَذَكَرَهَا وَالْمَاءُ مَعَهُ فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ مُتَوَضِّئًا‏.‏

وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ‏,‏ وَهَذَا مِقْدَارُ قِيَاسِهِمْ وأما نَحْنُ فَإِنَّ حُجَّتَنَا فِي هَذَا إنَّمَا هُوَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّمَا جَعَلَ عليه السلام وَقْتَهَا وَقْتَ أَدَائِهَا لاَ الْوَقْتَ الَّذِي نَسِيَهَا فِيهِ أَوْ نَامَ عَنْهَا‏,‏ فَكُلُّ صَلاَةٍ تُؤَدَّى فِي سَفَرٍ فَهِيَ صَلاَةُ سَفَرٍ‏,‏ وَكُلُّ صَلاَةٍ تُؤَدَّى فِي حَضَرٍ فَهِيَ صَلاَةُ حَضَرٍ، وَلاَ بُدَّ فإن قيل‏:‏ فَإِنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا لِوَقْتِهَا‏.‏

قلنا‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ‏,‏ وَهَذِهِ لَفْظَةٌ مَوْضُوعَةٌ لَمْ تَأْتِ قَطُّ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا خَيْرٌ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وأما قَوْلُنَا‏:‏ إنْ نَسِيَ صَلاَةً فِي سَفَرٍ فَذَكَرَهَا فِي حَضَرٍ فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ أَرْبَعًا‏:‏ فَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَغَيْرِهِمَا‏.‏

وأما قَوْلُنَا‏:‏ إنْ نَسِيَهَا فِي حَضَرٍ فَذَكَرَهَا فِي سَفَرٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا سَفَرِيَّةً‏:‏ فَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وقال الشافعي‏:‏ لاَ يَقْصُرُ إلاَّ مَنْ نَوَى الْقَصْرَ فِي تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا خَطَأٌ‏;‏ لأَِنَّ الشَّافِعِيَّ قَدْ تَنَاقَضَ‏,‏ فَلَمْ يَرَ النِّيَّةَ لِلإِتْمَامِ‏,‏ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي قَدْ بَيَّنَّا خَطَأَهُ فِيهِ‏,‏ مِنْ أَنَّ الأَصْلَ عِنْدَهُ الإِتْمَامُ‏,‏ وَالْقَصْرُ دَخِيلٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ صَلاَةَ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ‏,‏ فَلاَ يَلْزَمُهُ إلاَّ أَنْ يَنْوِيَ الظُّهْرَ‏,‏ أَوْ الْعَصْرَ‏,‏ أَوْ الْعَتَمَةَ فَقَطْ‏.‏

ثُمَّ إنْ كَانَ مُقِيمًا فَهِيَ أَرْبَعٌ‏,‏ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَهِيَ رَكْعَتَانِ، وَلاَ بُدَّ وَمِنْ الْبَاطِلِ إلْزَامُهُ النِّيَّةَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ دُونَ الآخَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

518 - مَسْأَلَةٌ

فَإِنْ صَلَّى مُسَافِرٌ بِصَلاَةِ إمَامٍ مُقِيمٍ قَصَرَ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ وَإِنْ صَلَّى مُقِيمٌ بِصَلاَةِ مُسَافِرٍ أَتَمَّ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ وَكُلُّ أَحَدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ‏,‏ وَإِمَامَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلآخَرِ جَائِزَةٌ، وَلاَ فَرْقَ

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ الصَّلاَةِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ‏:‏ رَكْعَتَانِ قُلْتُ‏:‏ كَيْفَ تَرَى وَنَحْنُ هَهُنَا بِمِنًى قَالَ‏:‏ وَيْحَك سَمِعْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآمَنْتَ بِهِ قُلْتُ‏:‏ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ إنْ شِئْت أَوْ دَعْ وَهَذَا بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَمْرِ ابْنِ عُمَرَ الْمُسَافِرَ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْمُقِيمِ رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ كَانَ أَبِي إذَا أَدْرَكَ مِنْ صَلاَةِ الْمُقِيمِ رَكْعَةً وَهُوَ مُسَافِرٌ صَلَّى إلَيْهَا أُخْرَى‏,‏ وَإِذَا أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ اجْتَزَأَ بِهِمَا قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ تَمِيمُ بْنُ حَذْلَمٍ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه‏.‏

وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَطَرِ بْنِ فِيلٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَأَدْرَكَ مِنْ صَلاَةِ الْمُقِيمِ رَكْعَتَيْنِ اعْتَدَّ بِهِمَا وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ‏:‏ سَمِعْت طَاوُسًا وَسَأَلْته عَنْ مُسَافِرٍ أَدْرَكَ مِنْ صَلاَةِ الْمُقِيمِينَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ‏:‏ تُجْزِيَانِهِ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى لِسَانِهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَصَلاَةَ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ‏:‏ إنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصِّيَامَ وَنِصْفَ الصَّلاَةِ وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام مَأْمُومًا مِنْ إمَامٍ مِنْ مُنْفَرِدٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّينَ‏,‏ وَالْحَنَفِيِّينَ الْقَائِلِينَ‏:‏ بِأَنَّ الْمُقِيمَ خَلْفَ الْمُسَافِرِ يُتِمُّ، وَلاَ يَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ إمَامِهِ فِي التَّقْصِيرِ‏,‏ وَإِنَّ الْمُسَافِرَ خَلْفَ الْمُقِيمِ يَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ إمَامِهِ فِي الإِتْمَامِ‏.‏

وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ‏,‏ وَلَوْ صَحَّ قِيَاسٌ فِي الْعَالَمِ لَكَانَ هَذَا أَصَحَّ قِيَاسٍ يُوجَدُ‏,‏ وَلَكِنْ هَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ وَالْقِيَاسَ وَمَا وَجَدْت لَهُمْ حُجَّةً إلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ‏:‏ إنَّ الْمُسَافِرَ إذَا نَوَى فِي صَلاَتِهِ الإِقَامَةَ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا‏,‏ وَالْمُقِيمُ إذَا نَوَى فِي صَلاَتِهِ السَّفَرَ لَمْ يَقْصُرْهَا‏,‏ قَالَ‏:‏ فَإِذَا خَرَجَ بِنِيَّتِهِ إلَى الإِتْمَامِ فَأَحْرَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى الإِتْمَامِ بِحُكْمِ إمَامِهِ قال علي‏:‏ وهذا قِيَاسٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ‏;‏ لأَِنَّهُ لاَ نِسْبَةَ، وَلاَ شَبَهَ بَيْنَ صَرْفِ النِّيَّةِ مِنْ سَفَرٍ إلَى إقَامَةٍ وَبَيْنَ الاِئْتِمَامِ بِإِمَامٍ مُقِيمٍ‏,‏ بَلْ التَّشْبِيهُ بَيْنَهُمَا هَوَسٌ ظَاهِرٌ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ‏.‏

فَقُلْنَا لَهُمْ‏:‏ فَقُولُوا لِلْمُقِيمِ خَلْفَ الْمُسَافِرِ‏:‏ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ إذَنْ فَقَالَ قَائِلُهُمْ‏:‏ قَدْ جَاءَ ‏"‏ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ‏"‏ فَقُلْنَا‏:‏ لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ عَلَيْكُمْ‏;‏ لأَِنَّ فِيهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ لاَ يُتِمُّ‏,‏ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَأْمُومٍ، وَلاَ إمَامٍ‏,‏ فَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْمُسَافِرَ جُمْلَةً يَقْصُرُ‏,‏ وَالْمُقِيمَ جُمْلَةً يُتِمُّ‏,‏ وَلاَ يُرَاعِي أَحَدٌ مِنْهُمَا حَالَ إمَامِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ